من جملة المخاطر والتحديات التي تواجه الإنسان كفرد وتواجه الجماعة كجماعة هي مسألة الوعي، أي الفهم والقناعات، وهناك معركة قائمة اليوم ومنذ بدء الخليقة على وعي الإنسان، بهذه الكلمات عبّر سيّد شهداء الأمة السيّد حسن نصر الله عن "أخطر الحروب التي تشنّ على الشعوب والأمم" بحسب رؤيته، وهو الذي كان على مدى أكثر من ثلاثة عقود قائد المسيرة في التصدّي لهذه الحرب الشرسة على أمّتنا.
الحرب الفكريّة، الثقافية، الإعلامية، النفسية ميدانها عقل الإنسان، أي العقل الفردي، والعقل الجمعي للأمّة. فالمجتمع أيضا لديه شخصيّة وعقل وهو ليس مجرّد تجمّع عددي لأفراد، يوضّح سماحة السيّد الشهيد.
لماذا هي أخطر الحروب؟
لأن هدفها السيطرة على عقل الإنسان، على وعيه وقناعاته، تمهيدا للسيطرة عليه. فعلى ضوء عقل وقناعات الإنسان يتشكل سلوكه وأفعاله وموقفه، إمّا أن تأخذه نحو المقاومة والصمود أو تأخذه نحو الخضوع والاستسلام والذلّ.
المعركة على الوعي، بحسب شهيدنا الأقدس، بدأت منذ بداية الخلق، منذ خلق الله تعالى النبي آدم عليه السلام، حين رفض إبليس السجود لآدم، تقول الآيات الكريمة :
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ (37) إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (40)
منذ ذلك اليوم تشكّل خطّان، الأول قائم على الحق والحقائق والوقائع وبالتالي الإرشاد الإلهي، والثاني قائم على الغواية، التي تعني الإضلال، الكذب، التحريف، التزوير، الخداع، التزيين والاستخفاف بعقول الناس.
الله سبحانه وتعالى قال للإنسان أنا أعطيتك عقلا وهو أعظم ما فيك وعلى أساس هذا العقل أحاسبك، أثيبك وأعاقبك. اليوم، عقول رجالنا ونسائنا وشبابنا وشاباتنا وأطفالنا مستهدفة بوعيها وقناعاتها، بالموضوع الجهادي والسياسي المرتبط بالموقف العام.
مسؤوليتنا هي أن نكون على بيّنة من أمرنا، أن يكون لدينا قناعات مبنيّة على أسس وثوابت وأصول. نحن نملك الحجة والمنطق والدليل وبناء عليه نأخذ هذا الموقف لذلك لم يقدروا على تغيير موقفنا، نحن في كل عام في محرّم يحضر فينا أبو عبدالله الحسين عليه السلام وأبو الفضل العباس عليه السلام والسيدة زينب عليها السلام.
مسؤوليّتنا أولا أن نقوّي إيماننا ويقيننا وقناعاتنا، وثانيا أن نحصّن مجتمعنا من خلال التوضيح والتبيين والشرح والاحتجاج. في هذا السياق دعا شهيدنا الأقدس إلى الاهتمام بالأولاد من هذه الناحية والإجابة على أسئلتهم وإن لم تكن لدينا الإجابة علينا أن نبحث ونجيبهم دون تأجيل.
لماذا اليوم الناس (بيئة المقاومة) لا تتخلى عن المقاومة ؟
لأن لديها القناعة والبصيرة، لأنها في مواجهة المعركة على الوعي ترى الحقائق ولا تنجرّ وراء الخداع والتضليل الذي يسعى أعداؤنا للتأثير عليها من خلاله.
انطلاقا من فكر شهيدنا الأقدس نحن من واجبنا الهجوم على أعدائنا في ميادين المعركة على الوعي، المطلوب أن نبيّن أفعالهم وجرائمهم فالأدلّة والشواهد والأرقام والمستندات موجودة. جرائم الولايات المتحدة في ناكازاكي وهيروشيما، في أفغانستان، في العراق، في دعمها للكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
واجبنا أن نحمل دماءنا وشهداءنا وجرحانا والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل وقتلت فيها أطفالنا في لبنان وفلسطين وأن ننتقل إلى موقع الهجوم على أعدائنا فنحن نملك الأدلة والشواهد والوقائع ، أما هم فيهجمون علينا بالأكاذيب والتضليل.
يدعو سماحة الأمين الشهيد أيضا في المعركة على الوعي، إلى الصبر والثبات واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى من كيد الشيطان ومن مكره وخدعه وتزويره وزخارفه، والشيطان الأكبر هو الولايات المتحدة.
علينا أن لا نتراجع ولا نيأس أو نضعف أو نشكّ. في كربلاء، السيّدة زينب والإمام زين العابدين عليهما السلام صنعا وعيا مختلفا بالصبر والثبات وبالكلمة والصوت الشجاع.
ولذلك من جملة الميادين التي انتصر فيها دم الحسين عليه السلام هي معركة الوعي وإلا لما وصل إلينا الإسلام.