نحو أسرة سعيدة للشيخ حبيب الكاظمي
إن الذي يعيش مع طرف ما، أو مع صديق ما، وكانت فترة الارتباط فترة زمنية مؤقتة، فمن الطبيعي أن الانسجام يتناسب مع هذه الفترة الزمنية..
مثلاً: لو أن إنساناً يعيش مع زميل له في دائرة العمل، وهو يعلم أن هذه الزمالة أو هذه الرابطة محددة بسنوات؛ فإنه لا شعورياً وتلقائياً يرتب علاقاته بحسب السنوات التي يعاشر فيها الشخص.. ولهذا نحن في الطائرة أو في القطار -مثلاً- عندما نتعرف على إنسان بجانبنا، فإننا نعطي له من الاهتمام والأهمية والعطف، بمقدار ما تستحقه طبيعة المعاملة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحياة الزوجية..
لو أن الإنسان في باله أن يعيش مع زوجته سنوات من الحياة الدنيا، فمن الطبيعي أن يتعامل معها عاطفياً بنسبة متناسبة طرداً وسلباً مع هذه الفترة.. ومن هنا فالماديون -الذين يقولون: لا يهلكنا إلا الدهر- يعيشون هذه الحالة من الحياة المؤقتة، ويلتفتون إلى المرأة مادامت تعيش زهرة شبابها، وغاية تصوراتهم في هذه الحياة الدنيا، أن هذه العلاقة تستمر إلى ما قبل الممات..
ولكن المؤمن يرى بأن العلاقة بينه وبين الزوجة علاقة أبدية لا تنتهي، وإذا كانت الزوجة صالحة، فإن هذه العلاقة تستمر إلى أبد الآبدين.. قال رسول الله (ص): (ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة، قيل: وكيف ذلك؟.. قال: يشفع فيهم فيُشفّع حتى يبقى الخادم، فيقول: يارب!.. خويدمتي قد كانت تقيني الحرّ والقرّ، فيُشفّع فيها).. إن المؤمن عندما يدخل الجنة كأنه لا يتحمل أن يعيش حياة منفردة، فيشفع لمن حوله، إلى أن يصل الأمر إلى أنه يحب أن تكون خويدمته أيضاً في كنفه في الجنة..
ومن نعيم الجنة الذي يصوره القرآن الكريم، هو الحالة الاجتماعية في الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}. ومن هنا فإن الذي يحاول أن يُصّعد بمستوى الزوجة إلى مرحلة الكمال، فإن هذا مما يجعل الزوجة شريكة عمر للإنسان إلى أبد الآبدين.. ومن المرغبات أيضاً، لأن يكون الرجل ممن يحسن أخلاقه مع الزوجة حتى يصل لهذه الدرجة -كما في بعض الروايات-:
أن المرأة إذا تزوجت رجلين، فإنها يوم القيامة تُعطى لأحسنهما خلقاً كان معها في الدنيا.. قالت أم حبيبة لرسول الله (ص): أرأيت المرأة يكون لها زوجان في الدنيا، فتموت ويموتان ويدخلون الجنة، لأيهما هي تكون؟..
قال: (لأحسنهما خلقاً كان عندها في الدنيا.. يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة).. قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ}..
يفهم من هذه الآية: أنه هذه الجنات ممنوحة لهذه الحالة الاجتماعية: من الآباء والأزواج والذريات.. وفي آية أخرى يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.. إن كلمة {أَلْحَقْنَا} تُشعر بشيء من التفضل في هذا المجال..
كأنه وإن كانت طبيعة الأمور قد لا تستوجب ذلك، أي كان الرجل في مستوى إيماني متفوق، والزوجة في مستوى إيماني يهيئ لها دخول الجنة في مرتبة أقل وأدنى، فإن مقتضى اللطف والكرامة الإلهية أن يجمع رب العالمين بين الزوجين في تلك العوالم المباركة.. وهذا أيضاً من موجبات المسارعة في هذا المجال.. فالمرأة لا ينبغي أن تغار على زوجها إذا ارتقى في الإيمان؛ لأن الزوج إذا ارتقى في الإيمان درجة؛ فإن هذا الارتقاء سيظهر أثره في ذلك العالم من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون الزوجة هي التي تجني ثمار هذه العلاقة المقدسة أيضاً في الحياة الدنيا.