البخل في المعيشة

البخل في المعيشة

أقل الناس راحة البخيل

 

 ﴿ولا يحسبنّ الذي يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض، والله بما تعملون خبير﴾ (آل عمران/180).

البخل هو كنز المال وجمعه وعدم إنفاقه في المباحات بحجة الخوف من المستقبل. ويعتبر البخل من أسوأ الصفات التي يكرهها العرب، بل كانت وما زالت من الصفات القبيحة التي تقلل من الرجولة, وكان نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله يتعوذ منها: " ... وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال... إياكم والبخل، فإنّها عاهة لا تكون في حُرٍّ ولا مؤمن، إنّها خلاف الإيمان " أمّا عن الصفات المرتبطة بالبخل فهي صفات كثيرة أسوأ من البخل نفسه مثل النذالة، والحقارة.

وقد وصفهم الجاحظ وصفاً دقيقاً في كتابه "البخلاء"، فقد وصف أساليبهم وعاداتهم أحسن وصف عن طريق أسلوب قصصي. إنّ الإنسان الذي لا يسخّر ماله في خدمة أسرته، لا يظنّ أنه يعمل حسناً، بل إنه يعمل سوءاً، وأنّ ماله ذاك سيطوّق به يوم القيامة بطوقٍ من نارٍ. فالذي يتمكن من أن يرفّه أسرته ولا يفعل ذلك مثله كذاك الذي ما إن يسألونه عن شيء حتى يجيب بعبارة:

"لا يوجد عندي"، وبعد فترة أضحت تلك العبارة ملكة فسأله أحدهم عن إيمانه فردّ بسرعة: "لا يوجد عندي!". ولو لم يكن لدينا حديث أو رواية أو آية قرآنية في البخل غير هذه التي ذكرنا آنفاً، لكفتنا أن نبتعد عن البخل في البيت، وفي المجتمع، لأنّه من العار والصعوبة أن يطوّق الإنسان يوم القيامة بما لديه من بيوت ومحلات وأملاك وأموال وهي تشتعل وتلتهب، ليأتي به على تلك الحال إلى صفوف الحشر الرهيبة. فالبخل خطأ فاحش، والإسراف من أسباب فساد المجتمع وجرّه إلى ما لا تحمد عقباه: (وإذا أردنا أن نهلك قريةّ أمرنا متُرفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمّرناها تدميراً) (الإسراء/16).

إنّ السيول والزلازل، وانقلاب الأرض بأهلها، لا يمكن أن يقاس بالنكبات التي يجرها البخل والإسراف والحياة المترفة، لأنّ المصائب والبلايا التي تحدثها هذه القضايا أنكى من كل المصاعب التي نسمع بها كل يوم تحدث هنا وهناك. لذا أقول: أيّ من هذه لا تعدّ أكثر بلاءً من الزلازل والسيول والمصائب؟ إنّها تحدث في الغالب جرّاء اعتقادنا بالخرافات والتوافه من القول، وهذا ما يحدو بنا إلى ارتكاب الكبائر من المعاصي مثل البخل والإسراف والترف الزائد عن الحاجة والخصومات التي تجعل من الحياة الاجتماعية جهنم على الأرض: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال، في سمومٍ وحميم، وظلّ من يحموم، لا باردٍ ولا كريم، إنّهم كانوا قبل ذلك مترفين، وكانوا يصرّون على الحنث العظيم) (الواقعة/41 ـ 45).

إنّ القرآن الكريم تعرّض كثيراً للترف والمترفين، وحذّر في عدّة مناسبات من التوغل في أعمال الترف الذي يوصل الإنسان إلى حالة الكفر بما أُرسل به المرسلون: (وما أرسلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلاَّ قال مترفوها، إنا بما أرسلتم به كافرون) (سبأ/ 34). لقد كان المترفون على مرّ الدهور مانعاً أساسياً لشيوع رسالات الأنبياء المرسلين، وما كان فعلهم إلا خوفاً من انطمار مصالحهم ومنافعهم الشخصية، كون المرسلين يتنكرون للإسراف والبذخ والترف المؤدي بالمجتمعات إلى الفساد. جاء في كتاب " معراج السعادة " أنّ بخيلاً وصل في بخله إلى حالةٍ كان فيها يضع اللبن في إناء زجاجي، ويضع الإناء وسط مائدة الطعام ثم يقول لأبنائه: امسحوا بأرغفتكم على جدار ذلك الإناء الزجاجي كي تشعروا بأنّكم طعمتم خبزاً ولبناً.

وفي أحد الأيام سافر الأب، بعد أن وضع الإناء الزجاجي في صندوقٍ وقفل عليه، وحينما أحسّ الأبناء أنّ أباهم لم يأت إليهم، كانوا يمسحون بأرغفتهم على قفل ذلك الصندوق، وحينما جاءهم الأب، وعرف منهم ما فعلوا، أمسك بعصا له وبدأ بضربهم على رؤوسهم وهو يقول: ألم تصبروا يوماً واحداً تأكلون فيه خبزاً بدون لبن؟.

إنّ الحياة إذا علتها مسائل البخل فاقرأ عليها وعلى صاحبها السلام، ولا نعتقد أن أحداً منكم يرضى بفعل ذلك البخيل الوضيع الذي نجد من مثله في دنيانا هذه الكثير، إنّه مسلوب الراحة، مسلوب النوم، وقد يسأل أحدكم وكيف تكون الحياة مقرونة بالراحة؟ فتقول له: إذا تمكن الإنسان من الطعام الاعتيادي، وكان له مسكن، ولباس كافٍ عدَّ ذلك الإنسان ممن يعيش حياةً لا تخلو من الراحة، شريطة أن يكون قانعاً غير مقتراً ولا مسرفاً. قال رسول الله (ص): " أقل الناس راحة البخيل." إذا أراد الإنسان أن يحي حياة هانئة رغيدة، عليه أن يجرّب البساطة في معيشته بدون تكلُّفٍ ولا غشٍ ولا عبودية، فالبساطة يمكن أن تجعل جميع أوقات الرجل والمرأة سعيدة ومفيدة.

المصدر:يراجع كتاب الشيخ مظاهري: الأخلاق البيتية: موضوع البخل في المعيشة.

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com