الأسلوب النافع في علاج المشاكل الزوجية

الأسلوب النافع في علاج المشاكل الزوجية

هناك أسباب كثيرة لوقوع النزاعات بين الأزواج

أولاً: ما هي أسباب الخلاف؟

هناك أسباب كثيرة لوقوع النزاعات بين الأزواج، سنقوم هنا بذكر أهم هذه الأسباب وأكثرها ابتلاءً:

 

1- عدم الالتزام بأحكام الشرع المقدّس: لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجيَّة، وجعلها على أفضل وجه من أجل تأمين حياة زوجية سعيدة، وعندما يتخلى الإنسان عن هذه الحدود الشرعية ويتجاوزها فإنّه سيهدّد الحياة الزوجيَّة برمتها، من هنا كان لا بد من التعرّف على الحقوق الزوجيَّة وآداب العلاقة مع الزوج حتى تحصّل الحصانة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدع.

 

2- سوء التقدير: الناشى عن الجهل بالطرف المقابل وخصوصياته وما يحب ويكره، أو عدم القدرة على الانسجام رغم المعرفة بالميول والخصوصيات، قد يتسبب أيضاً بالتشنج والوقوع بالأخطاء، فيشكل خطراً على الحياة الزوجيَّة، لذلك فإنّ معرفة الطرف الآخر قد يساعد على تفهّم التصرّفات والمسلكية بشكل يساعد على الانسجام.

 

3- عدم الواقعية: إنَّ التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل من المشاكل التي تعترض الأزواج، فإذا كان الشاب والفتاة يعيشان في عالم من الأحلام الورديَّة ويتصوَّران بأنَّ المستقبل سيكون جنّةً وارفة الظِّلال كما في القصص والروايات، ولكن وبعد أن يلجا دنياهما الجديدة، فيبحثان عن تلك الجنّة الموعودة فلا يعثران عليها، فيلقي كل منهما اللوم على الآخر محمّلاً إياه مسؤولية ذلك، ويبدأ بذلك فصل النزاع المرير الذي يُفقد الحياة طعمها ومعناها، فكلٌّ يتهم الآخر بالخداع، وكلٌّ منهما يلقي بالتبعة على شريكه، في حين أن بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع.

 

4- رتابة الحياة: من الأمور التي تساعد على الخلاف رتابة الحياة والتي تحدث بعد فترة طويلة من البرنامج اليومي المتكرر، ما يُشعِرُ الزوجين بالملل، فيتفرغان لانتقاد بعضهما، وتظهر الخلافات، ولهذا ينبغي على الزوجين التجدّد لبعضهما والظهور بصورة لافتة للنظر، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف، ومنه التجدّد والتجمّل من خلالِ اللباسِ والمظهر. فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها"1. وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه"2.

 

5- البحث عن العيوب: قد ينشب النزاع في بعض الأحيان بسبب البحث عن العيوب أو التنقيب عن النقائص، فترى أحد الزوجين كأنّه لا همَّ له سوى نصب الكمائن والترصد ومراقبة الآخر، فإذا وجد زّلة شهّر به، وهذه العادة تدفع بالزوج أو الزوجة إلى الكراهية والحقد والعداء، ولا ينجم عنها سوى الشعور بالمهانة والإذلال، وربما دفعت به إلى التمرد والنزاع. وفي الحديث: "حق المرأة على زوجها... أن يستر عورتها"3، والمقصود منه هو التستّر على العيوب والأخطاء التي قد تقع فيها الزوجة، وأن لا يذمّها بها يوماً ما، وأن لا يفضح ذلك في مجالسه.

 

6- التقريع واللوم: أن نتصور الزوج أو الزوجة إنساناً معصوماً عن الخطأ أمر بعيد عن الواقع، فالإنسان مخلوق يصيب ويخطىء، ينهض ويكبو، بالرغم من سعيه نحو الكمال والتكامل ومحاولة اجتناب الوقوع في الأخطاء، إذن، فإنّ احتمال الخطأ وارد وهو أمر اعتيادي، فإذا صدر خطأ ما فلا يستحق الأمر تقريعاً أو لوماً يعكّر صفو الحياة. وعن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم، ثمّ قرأ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾"4.

 

7- الغيرة المبالغ بها: إن الإيمان والأخلاق عند الرجل والمرأة، هما شرطان أساسيان للزواج المستقر والسعيد، فطاعة التعاليم الإلهية والعمل بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي دلَّ عليها الإسلام، ويدرك الإنسان الكثير منها من خلال العقل والفطرة النقية، هذا الالتزام يشيّد بناء الزواج على الأساس الصحيح، وأي زواج يبنى على هذه القواعد المتينة لا بد وأن يستمر بشكل طبيعي ولا تؤثر فيه المشاكل الصغيرة. الغيرة واحدة من المفردات التي يمكن أن تسبّب المشاكل في الحياة الزوجيَّة إذا خرجت عن حدها المقبول والطبيعي، وتحولت من صحة إلى مرض.

 

والمقصود من الغيرة، غيرة الرجل على المرأة، وغيرة المرأة على الرجل، فما هو المشروع من الغيرة؟

 

أ- غيرة الرجل: يقول السيّد الطباطبائي: "وهذه الصفة الغريزية لا يخلو عنها، في الجملة، إنسانٌ أيٌّ إنسانٍ فُرِض، فهي من فطريات الإنسان، والإسلام دينٌ مبنيٌ على الفطرة تؤخذ فيه الأمور التي تقضي بها فطرة الإنسان، فتعدّل بقصرها فيما هو صلاح الإنسان في حياته ويحذف عنها ما لا حاجة إليه فيها من وجوه الخلل والفساد"5. ولقد حثَّتِ الروايات الشريفة الكثيرة على تحلّي الرجال بصفة الغيرة - عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى غيور، يحبّ كلّ غيور، ولغيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها"6. فالغيرة كما اتضح هي صفة شريفة، ودليل صحة وعافية، ولكن إذا وضعت في غير محلها أو خرجت عن حدودها وطورها انقلبت إلى مرض، وقد تتسبب بالمشاكل إذا وصلت إلى حد شعرت الزوجة معها بعدم الثقة بها، فهنا ترفض المرأة هذا الواقع، وتطالب الرجل بإخراجها من السجن الذي قد جعلها فيه بسبب شكوكه. وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من الغيرة ما يحبّ الله، ومنها ما يكره الله، فأمّا ما يحبّ فالغيرة في الريبة، وأمّا ما يكره فالغيرة في غير الريبة"7. وتشير بعض الروايات إلى أن هذه الغيرة في غير محلها قد توصل المرأة إلى الانحراف! فقد حذرت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السَقَم، ولكنْ أحكِمْ أمرهنَّ، فإن رأيت عيباً فعجّلِ النكيرَ على الكبيرِ والصغيرِ"8.

 

ب- غيرة المرأة: إن الغيرة بمعناها السلبي من الأمراض التي يمكن أن تُبتلى بها المرأة، فتندفع من خلالها إلى لقيام بخطوات سلبية تزعج الزوج وتوتر أجواء العائلة، وعندما تتحدّث الروايات عن الغيرة عند المرأة تقصد الجانب السلبي منها الذي له آثاره السلبية والمدمّرة، لا الحالة الإيجابية، لذلك نجد في الرواية أن رجلاً ذكر للإمام الصادق عليه السلام امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: "أغرتها؟ قال: لا، قال: فأغرها، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله عليه السلام: إني قد أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول"9.

1- أسباب الغيرة عند المرأة: تختلف الأسباب النفسية عند المرأة للغيرة، فيمكن أن يكون منشؤها إيجابياً، كما أشارت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث سأله أحدهم: "المرأة تغار على الرجل تؤذيه؟ قال: ذلك من الحب"10، وهذا النوع من الغيرة لا بد أن تكون نتائجه غير ضارّة، لأنّ الحب ينتج المراعاة والمصلحة ولا يوصل الأمور إلى المشاكل. ويمكن أن يكون منشأ الغيرة سلبياً كما أشارت الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر، إنّ النساء إذا غرن غضبن، وإذا غضبن كفرن إلا المسلمات منهن"11.

2- النتائج: كثيراً ما تكون نتائج الغيرة سلبية ومدمّرة، فالتي تغار تفقد -غالباً- تعقّلها، ويصبح الحاكم على تصرفاتها الغضب والتوتر، وتفقد الواقعية في تقييم الأمور، والعقلانيّة في التصرف، وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله"12، وعندما يفقد الإنسان بصيرته سيكون عرضة لكل أنواع المشاكل والسلبيات.

 

8- عدم الرفق بالطرف الآخر: قد ينشب النزاع بسبب المضايقات المستمرّة كإقدام الرجل مثلاً على فتح أبواب منزله لمن هبّ ودبّ من الأصدقاء والمعارف، ما يحمّل المرأة أعباء استقبالهم والقيام على خدمتهم. أو كقيام المرأة بدعوة أهلها وأقربائها باستمرار مما يؤدي إلى إرهاق الرجل اقتصادياً، ولذا فمن الواجب مراعاة هذه المسألة وأخذ الإمكانات بنظر الاعتبار واحترام الزوجين لمشاعر بعضهما البعض. فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير"13.

 

* كتاب فقه العلاقات الزوجية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

 

1- م.س.

2- تحف العقول: ص323.

3- الحلّي، عدّة الداعي: ص81.

4- مكارم الأخلاق، ص216.

5- تفسير الميزان: ج4، ص175.

تحرير العبارة: فتُعدَّل (أي الفطرة) بقصرها (أي بجعلها مقتصرة) على ما فيه صلاح الإنسان، ويحذف عنها ما لا حاجة إليه (للإنسان أو لصلاحه)...

6- الكافي: ج5، ص535، ح1.

7- ميزان الحكمة: ج3،.

8- الكافي: ج5، ص537، ح9.

9- الكافي: ج5، ص505.

10- الكافي: ج5، ص506.

11- الكافي: ج5، ص505.

12- الكافي: ج5، ص505.

13- الكافي: ج2، ص119.

 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com