هناك صنفان من الناس في الدنيا، من حيث موتهم، إنسان يموت لهدف دنيوي يزول بمجرد موته ولا يترك أثراً، وآخر يموت ويكون موته بسعة الدنيا والآخرة، لمصلحته ومصلحة الآخرين، ويترك وراءه الكثير الكثير، والشهيد هو من الصنف الثاني.
وسرُّ الشهيد هو سرُّ الإسلام، صانع الشهداء، والرجال الرجال، حيث يربي الإسلام الإنسان على معانٍ كبيرة وعظيمة، فالإسلام عالمي المعنى، فعلى الإنسان الذي يتبناه، أن يكون عالمي الأهداف، فالإنسان، المؤمن الواعي، لا يكون ضيقاً في تفكيره، وتحركه، واهتمامه الإسلامي. ولا يكون محصوراً ضمن قالب محدود، وفي دائرة الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، فيتقيّد إذ ذاك بالحدود، والقيود الموضوعة، فالإنسان الإسلامي الرسالي، صورة حقيقية، مستخرجة من واقع الإسلام العالمي.
فهو يتحرك بموازين دقيقة عالية المعاني والأهداف، داعياً الناس كافة إلى الإسلام والعدل والحق، على بصيرة من أمره ودينه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾1. وهذا الدور الإسلامي العظيم، يصطدم بعقبات كثيرة، كظلم الطواغيت، وبطشهم، وجهل الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق، ويميلون مع كل ريح، والإنسان المؤمن الواعي يواجه هذه العقبات وغيرها، والتي لا يتحملها إلا من يتعامل مع حياة أسمى من مفاهيم هذه الحياة الفانية، ويتصل بقوة أكبر وأقوى، ومفاهيم أجلّ وأسمى.
ألا وهي قوة اللَّه تعالى، والإيمان به، والتوكل عليه، والطاعة له، التي تقلب كل مقاييس الأرض الضخمة، فتجعلها محدودة، وضيقة، لو قيست بالمقياس الغيبي في التعامل مع اللَّه تعالى. فالإنسان المؤمن الواعي، يتسامى، بمفاهيمه الثقافية، ومسؤولياته الإنسانية، فيتميز عن باقي الناس من ذوي المستويات المحدودة، والأفكار الضيقة، والاهتمامات الترابية، والأهداف الدنيوية.
فلا يستوي من يعيش محدوداً، لا يرى أكثر من أنفه، ولا ينظر إلا الى مصالح دنيوية فانية الخاصة، مع من ينظر إلى الحياة بشموليتها، وإلى الآخرة بسعتها. فالإنسان الشهيد لا يرى للحياة معنى، إلا إذا كانت عقيدة، وجهاداً، وقيماً، ومبادىء، وحقاً وعدلاً، يسود كافة الناس.
وبكلمة مختصرة قالها القائد دام ظله: "الشهيد معنى كبير، وحقيقة تثير الدهشة... إن حقيقة الشهادة حقيقة عظمى...".
المصدر:كتاب الشهيد والشهادة للامام الخامنئي دام ظله