ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! فسحة الأمل هي محطة كفيلة بأن تبث في الانسان نشاطاً وروحاً جديدة لينطلق في معترك الحياة. ولكنها فسحة أمل، وليست مساحات واسعة من الأحلام والآمال والطموحات التي غالبا ما تكون لا محدودة وغير منطقية. إن الطموحات التي تنشأ في ظل الزواج أمر لا يعترض عليه أحد ، بل أن الحياة الزوجية الخاوية من الطموح لا معنى لها ، ولكن الحديث هنا عن حدود الطموح ومدى منطقيته ، ذلك أن بعض الطموحات التي تخرج عن دائرة المعقول لها آثار سلبية تهدد نفس الحياة الزوجية بالدمار . أن تطمح المرأة مثلاً لأن يجسد زوجها دور العاشق دائماً أو أن يطمح الرجل في رؤية زوجته تلعب دور الأم في تدليله على الدوام ، إن مثل هذه الطموحات هي حالة طفولية بعيدة عن التفكير الناضج. هو يحتاج مثلا لأن يتدلل كطفل، ولكن دون أن ينسى أنه أب لطفل أو لأطفال! لا يمكن استقراء جميع الطموحات الخيالية ، وسيكون عدّها مسألة في غاية الصعوبة ، وسنكتفي في هذا البحث بالإشارة إلى أهمها كظاهرة عامة .
1 ـالطموحات الملائكية : ربما تثير هذه المسألة الضحك عندما يطمع الرجل أو المرأة وخاصة في أوساط الشباب أن يكون الزوج ملاكاً بعيداً عن كل اشكال الخطأ ، ولهذا فهو معرض للحساب واللوم دائماً . إن تصور الزوج أو الزوجية ملاكاً قادماً من السماء لأمر غير منطقي تماماً . نحن نعيش في عالم البشر لا في عالم الملائكة ، ومن يعيش في هذا العالم لا بد أن يخطىء أو يصيب . الإنسان مزيج من صفات متعددة ، ومن أجل خصاله الطبيعية ينبغي أن نغفر له أخطاءه أو نغض الطرف عنها .
2 ـ المستوى العلمي : وهذه ظاهرة نشاهدها لدى الكثير ، حيث نجد فرقاً بين المستوى العلمي للرجل والمرأة ، وربما ظن بعضهم أن الحياة فصل من فصول المدرسة يجلس فيه الزوجان للبحث والمناقشة والجدل ، وقد يتصور أحدهما أن السعادة تكمن في ظلال شهادة الدبلوم أو الدكتوراه . وفي هذه الحالة كان من الواجب على أولئك أن يفكروا في ذلك من قبل أن يقدم على الزواج .
3 ـ النظام الدقيق جداً : نشاهد لدى البعض من الأزواج نوعاً من الوسواس ـ إذا صح التعبير ـ في النظام ، وإصرارهم على أن يكون كل شيء في مكانه ، ولذا قد ينشب النزاع حول بعض التفاصيل اليومية كعدم وجود القلم ـ مثلاً ـ فوق المنضدة وهلمّ جرا . صحيح أن الحياة تحتاج إلى قدر من النظام والبرمجة ، غير أن هناك فرقاً بين الأسرة ومعسكرات الجيش!
4 ـ الاستسلام الكامل : ينظر البعض ومع الأسف إلى أزواجهم على أنهم عبيد وأرقاء ، وعليه فإنهم مطالبون بتنفيذ ما يصدر إليهم من أوامر دون نقاش ، وهذه النظرة بالطبع تفتقد إلى الحس الإنساني ولا ينبغي أن يشعر الإنسان بالسعادة إذا تمكن من تحقيق ذلك . ما الفائدة التي يمكن أو يجنيها الزوج إذا حوّل زوجته إلى مجرد جارية وما هو النفع الذي تجنيه الزوجة إذا تحول زوجها إلى عبد ؟ أليس هذا نسفاً لمعنى الحياة ؟!.
5 ـ التشديد في السيطرة : إن معاني الحياة تكمن في الحرية ، وبالرغم من طموح الإنسان لأن يعيش حراً فإنه يعمد إلى محاولة استعباد الآخرين كما يفعل ذلك بعض الأفراد بعد زواجهم ، إذ يحاولون ، وبإصرار ، مراقبة كل شيء بدقة ضباط التحقيق ، حيث البيت الزوجي في نظرهم منزل زاخر بالأسرار التي ينبغي الكشف عنها . إن مثل هذه الرؤية المشوّهة لا بد وأن تقود إلى الاصطدام والتنازع .
6 ـ الإغراق في الاحترام : الاحترام المتبادل بين الزوجين مطلوب ولا يحتاج إلى نقاش ، ولكن لكل شيء حدوده الطبيعية ، فإذا تعدّاها فقد معناه وفائدته ، كما أن الحياة الزوجية حياة تنبض بالعفوية والمحبة ولا تتناسب مع الرسميات والتشريفات التي يمكن تحملها ساعة أو ساعتين ، أما الحياة المشتركة التي تمتد بامتداد العمر وتتسع لتشمل الحياة كلها فلا تنسجم مع الرسميات التي تتناقض مع الحب والعلاقة الحميمة المشتركة .
7 ـ العمل والسعي الفائقان : هناك بعض النسوة اللائي ما أن يصل أزواجهن من العمل حتى يجرجرنهم إلى عمل آخر . فمثلاً تلقي المرأة طفلها الرضيع في أحضانه للقيام على راحته وشؤونه ، غافلة عن أن زوجها قد وصل تواً من عمل مرهق ، وأنه يحتاج إلى قدر من الراحة . أو نشاهد بعض الأزواج ما أن يضعوا أقدامهم في البيت حتى يطلبوا من نسائهم توفير جميع وسائل الراحة غافلين عن هذه الحقيقة وهي أن الزوجة كانت تعمل منذ الصباح في إدارة المنزل ورعاية الصغار .. إن التمتع بالحياة الزوجية لا ينشأ في ظل الطموحات العريضة والملوّنة ، بل أن الطموحات التي تخرج عن حدها قد تصدّع الحياة المشتركة وتصيبها بالشلل ، إن الحياة المشتركة تتطلب من الإنسان أن يكون واقعياً في طموحه ، صبوراً في تحقيق ما يصبو إليه ، وتتطلب منه السعي المتواصل دون كلل أو ملل .
المصدر: الأسرة وقضايا الزواج، د. علي قائمي، بتصرف