شهيد المحراب

شهيد المحراب

الشهيد دستغيب

ولادته

فتح آية الله السيد عبد الحسين دستغيب عينيه على الدنيا في ليلة عاشوراء من عام 1292هــ.ش في مدينة شيراز في أسرة علمائية. كانت هذه الولادة المباركة في دار بسيطة في إحدى أزقة شيراز القديمة القريبة من سوق الدجاج الذي يسمى اليوم "شارع أحمدي". ولادته في ليلة عاشوراء دعت إلى تسميته بــ "عبد الحسين" وكانت حياته أيضاً مثالاً واضحاً لهذا الاسم.

والده السيد محمد تقي بن الميرزا هداية الله مرجع محافظة فارس الكبير، الذي كان حين ولادة ابنه في كربلاء. فقد الشهيد دستغيب أباه وهو في الثانية عشرة ليتعهد من حينها بأمه وأخواته الثلاث وأخويه. أسرة دستغيب من الأسر الأصيلة الشريفة في محافظة فارس وشيراز حيث ترجع سابقتها التاريخية إلى 700ــ800 سنة، وقد برز منها العلماء الكبار والأدباء والخطباء. ويرجع نسب هذه الأسرة بثلاث وثلاثين واسطة إلى الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام.

دراسته

تلقى الشهيد الدروس التمهيدية (المقدمات) في طفولته لما كان يتمتع به من ذكاء وفطنة وهبها الله إياه، حتى إذا انتهى من دروس المرحلة المتوسطة (السطوح) أصبح إماماً لجماعة مسجد باقر خان، وبعد سنين من معاناة الفقر وشظف العيش قصد النجف الأشرف في سنة 1314هــ.ش ليواصل دراسته هناك.

يقول هو في هذا الصدد: "في زمان رضا خان الدكتاتور الملعون، ألقوا بنا في السجن عدة مرات... بعد ذلك أخذوا يمارسون الضغوط لإخراجي من سلك علماء الدين وأمهلوني أربعة وعشرين ساعة لأنزع زي علماء الدين وأخرج من سلكهم وأترك المسجد والمنبر! فاضطررت إلى الفرار وذهبت إلى النجف، وكانت هذه بإرادة الله وسبب خير للاستفادة من كبار الأساتذة".

وهناك نهل من معين أساتذة كالمرحوم آية الله الحاج كاظم الشيرازي، وآية الله الحاج أبي الحسن الموسوي الأصفهاني، وآية الله العظمى الحاج السيد الميرزا آقا الاصطهباناتي، وآية الله الحاج ميرزا علي آقا القاضي الطباطبائي الذي كان من أعاظم أهل المعرفة والسير والسلوك. وفي سن الرابعة والعشرين وفّق للحصول على درجة الاجتهاد وأجيز من المراجع كآية الله آقا ضياء الدين العراقي، والشيخ كاظم الشيرازي، والسيد أبي الحسن الأصفهاني.

وكان للشهيد دستغيب ثماني إجازات في الاجتهاد.

بعد عودته من النجف الأشرف، أخذ يقيم صلاة الجماعة في المسجد الجامع العتيق ويقوم على دعوة الناس وإرشادهم، إلى جانب مواصلته لطلب العلم والمعرفة عند الفقيه العارف الشهير آية الله الحاج الشيخ محمد جواد الأنصاري الهمداني (قدس سره) ليقطع بإرشاداته أشواطاً رفيعة في السلوك والعرفان.

وأخيرا،ً من خلال مرافقته لسماحة آية الله نجابت استطاع تحطيم قيود الدنيا في نفسه كاملاًًً ولم يبق له أمل فيها سوى قرب الله تعالى ووصاله.

النبل والزهد مسلك الأولياء

عاش الشهيد دستغيب في دار بسيطة، لا تختلف عما كان يعيش فيه أجداده الطاهرون، معرضاً عن كل الكماليات وزخارف الدنيا.

وأبرز ما كان يتصف به هو حب أهل البيت عليهم السلام، والتقوى، والزهد, والصبر، وحسن الخلق، وحسن البيان وقوة التعبير والكتابة.

لم يكن طعامه يتجاوز ربع قرص من خبز الشعير مع شيء من البصل والملح وأحياناً شيء من الجبن معرضاً عن اللحوم، حتى جعلته الرياضات وترك الشهوات المتواصل نحيلاً عليلاً. كان يقضي ليله في العبادة والتهجد حتى الصباح، وكان يصوم كثيراً.

حبه للمجالس الحسينية

سكن في قلبه وكان في ليلة عاشوراء يلبس السواد. وكان في الغالب يقف للصلاة في أول وقتها، فإذا دخل في الصلاة كان كأنه ليس في هذه الدنيا.

كان يقضي أوقاته في العبادة وتلاوة القرآن والذكر أو في الكتابة أو في مساعدة المحتاجين ومواساتهم. كان يحب الناس كثيراً ويخالط أفراد الطبقة الثالثة من المجتمع حيث كان يسارع باستمرار إلى إعانتهم وحل مشاكلهم.

كان صامتاً في أغلب أحيانه وينصت إلى حديث غيره بدقة ويقبل الصحيح من كلامه.

وكان له سلوك متميز مع مخالفيه، فلم يكن يسمح لأحد أن يتناولهم بكلام بذيء، بل وكان أحياناً يثني عليهم مثيراً استغرابهم. كان في محيط أسرته مصدر خير وبركة.

تقول زوجته في هذا الصدد: "أعطاني في شؤون المعيشة كامل التصرف والاختيار، ولم يكن يعترض أبداً على أي شيء كنا نقوم به، لأنه كان يعلم أن طريقنا هو طريقه وأن هدفنا واحد.

كان رؤوفاً بالأطفال جداً، يتحرك معهم في أوقات الفراغ في باحة الدار ويسلك مع الأولاد والأحفاد كما يحلو لهم. كان يساعدنا في أعمال البيت إلى جانب أعماله الشخصية... ويقول مراراً: لا أسمح لنفسي بإعطاء الأوامر.. كان قليل الأكل جداً، دائم الوضوء، وصاحب تهجد وذكر ودعاء".

ويقول ولده في خصوص دور والده القيم في البيت: "...عندما مرضت المرحومة والدتي، كان يقوم على خدمة الأطفال. لا أزال أذكر أنه كان لا يتردد حتى في تنظيف الأطفال أو حتى في كنس الدار بنفسه. كان مثل جده رسول الله، إذا كان في بيته كان في محنة أهله، أي أنه عندما يكون في الدار يحمل هم أهلها".

بحر من الفضيلة والكرامة الفضائل الخلقية للشهيد السعيد

هي حديث العامة والخاصة؛ يقول رفيق دربه القديم آية الله نجابت: "لم ألتق آية الله دستغيب مرة إلا وكان له حديث عن الله وعلوم أهل البيت".

وكتب العالم الرباني والفقيه الكبير المرحوم الحاج آقا الشيخ محمد كاظم الشيرازي عندما أعطاه درجة الاجتهاد: "أنه منزه عن كل دنيّة ومزيّن بكل فضيلة".

والسيد الإمام الخميني الكبير(سلام الله عليه) يصور لنا ببيان واضح خلق وسجايا شهيد المحراب ويقول: "مرشد المحرومين"، "هادي الناس"، "معلم جليل"، "عالم عامل"، وفوق كل ذلك "ملتزم للإسلام" و "شخصية كريمة".

لقد قطع الشهيد دستغيب أشواطاً في المعنويات والسير إلى الله لم يبلغها إلا نزر يسير من الناس؛ فقد روي عنه الكثير من الكرامات لما حمله بين جنبيه نفس مطمئنة طيلة عمره؛ فتارة يخبر عن موعد موت فرد ما، وتارة يعيد طفلاً محتضراً إلى الحياة بإذن الله، وثالثة يثير الاستغراب بفعل يعكس علمه بحدث لم يجر حديث عنه: في أحد الأيام أخذ شخص بيدي ولديه وتحرك من مدينة بوشهر لزيارة السيد، وقال في سبب هذه الزيارة: "اشتد المرض بأحد أولادي منذ أيام، وقال الأطباء يجب أن تعالجه في شيراز.

كنت في ضائقة مالية، فتوسلت بإمام الزمان (عج)، وبعد بكاء ونحيب قيل لي في اليقظة والمنام لا تكترث، اذهب إلى شيراز، نائبنا السيد دستغيب هناك، يقضي لك حاجتك. فجاء هذا الشخص إلى السيد، فابتدأه هو من دون مقدمة قائلاً: "لا تكترث، فأنا أعطيك تكاليف المستشفى التي تعالج بها ولدك"!

قصة أغرب من "القصص العجيبة"

أمّا الأغرب من جميع الكرامات التي ذكرها كتاب "القصص العجيبة" عن أولياء الله، فهو القصة التالية التي يرويها لنا أحد أصدقائه المقربين السيد سودبخش: "... كان الشهيد الكبير سماحة آية الله دستغيب يلتزم كثيراً بالصلاة في أول الوقت حتى في السفر، وخلال السنين الطويلة التي صحبناه فيها أذكر أنه نادراً ما كان يؤخر الصلاة عن أول وقتها. و

في إحدى سفرات العمرة التي كنا فيها معه لم نحصل على بطاقة سفر مباشرة إلى جدة؛ كانت البطاقة من طهران إلى بيروت ومن بيروت إلى جدة. وفي مطار بيروت بقينا في الترانزيت عدة ساعات، وعند اقتراب المغرب استعدت الطائرة للحركة إلى جدة.

كان سماحة آية الله الشهيد دستغيب يحاول جاداً تأخير الطائرة إن أمكن الصلاة في وقتها، إلا أنه لم يمكن ذلك. فركبنا الطائرة، وطال بقاؤنا في داخلها كثيراً. فتضايق هو كثيراً لأنه لم يتمكن من أداء الصلاة. فأراد النزول عدة مرات، فقالوا ليركب الجميع سنتحرك الآن. وأخيراً طال تأخير الطائرة إلى حد حسبنا أنه عندما سنصل إلى جدة يحتمل أن يفوت وقت الصلاة وتصبح قضاءً.

فقال آية الله دستغيب باضطراب واستياء: لننزل وإن فاتتنا الطائرة، ولكن باب الطائرة كان مغلقاً. فوقف هو في حالة تأمل خاص وصمت كامل عدة دقائق، إذ شغلوا محرك الطائرة لابتداء الرحلة. وبمجرد تشغيل محرك الطائرة ظهرت شعل النيران من محركها.

فأوقفوا المحرك بسرعة وفتحوا باب الطائرة وطلبوا من الركاب النزول بسرعة. فنزل آية الله دستغيب بسرور عظيم مع مرافقيه وهو يردد قائلاً: "الصلاة، الصلاة". قال العاملون في الطائرة: سنتأخر على الأقل أربع ساعات لتستعد الطائرة للحركة. وبمجرد وصولنا صالة المطار وقف للصلاة. فصلى المغرب والعشاء بتوجه وشكر خاص. فلمّا سلّم، قال العاملون: اركبوا فإن النقص الفني للطائرة قد أصلح ونريد التحرك"!

الهداية والإرشاد على خط الأنبياء

ومن الخصوصيات الأخرى لهذا الشهيد العظيم هو إقامته الأسبوعية لدعاء كميل وقيامه على إرشاد الناس وهدايتهم في تلك الحقبة الزمنية العصيبة.

كان لحلاوة حديثه ونفوذ كلامه أثرهما في هداية الكثير من الضالين وتوبة العديد من العاصين. وفي الحقيقة، على الرغم من تفشي الفساد وضغط النظام الحاكم آنذاك، كان لمجالس دعاء كميل أثر مماثل لأثر الصحيفة السجادية والمقاومة السلبية التي كان يقوم به الأئمة الأطهار عليهم السلام.

وبعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة، وعلى الرغم من أنه كان ممثلاً لمحافظة فارس وإمام جمعة مدينة شيراز، كان يعنى بهداية الناس وإرشادهم أكثر من قيامه بشؤون الدولة والحكم. كان يجل الحكومة الإسلامية ولا يتدخل في القضايا التي تتعلق بإدارة المحافظة أو المدينة.

وكان يعتقد أنه إذا جرت تدخلات ستحصل فوضى.

كان يقول على مسؤولي الدولة القيام بمهامهم القانونية، ونحن بدورنا نقوم على هداية الناس وإرشادهم وتربيتهم أخلاقياً كما هي رسالة الأنبياء، وذلك يؤدي إلى نجاح الحكومة في عملها, وإلا فإن ازدواجية الإدارة ستؤدي إلى تباعد الناس عن الحكومة والإسلام وتؤول إلى التشتت والفرقة وظهور قضايا ليست في صالح الثورة.

كان الشهيد الكبير يعيش بين الناس ويرى أن ذلك سعادة لا تنكر؛ يقول أحد رجال حمايته: "في أيام الجمعة كنا نستعد للذهاب إلى صلاة الجمعة في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، وكلما كنا نصر على أن نأخذ سيارة للذهاب لم يكن يوافق وكان يقول أريد أن أكون بين الناس في هذه الأزقة حتى إذا كان لأحد سؤال أو مشكلة ويخجل من المجيء إلى الدار أمكنني متابعة حاجته".

وقد أشير عليه كثيراً بترك داره القديمة التي تقع داخل الأزقة ومنعطفاتها الكثيرة والانتقال إلى مكان آخر يمكن حمايته وحراسته فيه، ولكنه كان يرفض. كان يقول كنت بين الناس ويجب أن أبقى بينهم ومعهم إلى النفس الأخير وأشاركهم مرارة العيش وحلاوته. ولهذا في تلك الدار البسيطة عاش، وفي تلك الأزقة الملتوية استشهد. لم يكن في حياته أشياء من قبيل سيارة ضد الرصاص وما شاكل مما يدعو إلى نظر الناس بحسرة ويثير فيهم الآهة واللوعة. كان يعتقد أن التشريفات والكماليات تخلق حاجزاً، وكل المصائب تأتي من هذا الحاجز.

كانت داره مفتوحة للجميع وكان يعشق الشباب من كل الفئات والطبقات ويراهم السند الحقيقي للحكومة والثورة. وكان يقول فيهم: "عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير".

في ميدان السياسة وصد الهجوم الثقافي

بدأ الجهاد السياسي لهذا الشهيد الكبير منذ أن وجد أساس الدين في خطر بتولي رضا خان للحكم؛ ولهذا كان يعمل على توعية الناس من خلال منبر الخطابة، حيث تجلى ذلك بشكل خاص في اعتراضه الشديد على نزع الحجاب الإجباري الذي كان أول خطة استهدفت ضرب الإسلام وفتح الباب أمام المفاسد والمنكرات في المجتمع ليتزايد بالتالي نفوذ الأجانب في جميع شؤون البلد الإسلامي. وعندما راح رضا خان يواجه علماء الدين،

كان هو أيضاً في الصف الأول من المعارضة، حتى إن جلاوزة رضا خان منعوه من ارتقاء المنبر والخطابة، حيث يقول الشهيد نفسه في هذا الصدد: إن هذه المضايقات بلغت حداً أضطر فيه إلى الجلوس على الأرض من أجل موعظة الناس.

وعندما كان أفراد النظام يعترضون عليه كان يقول في الجواب: "إنما منعوني من ارتقاء المنبر، لا من التحدث جالساً على الأرض"! في أواخر عام 1341هــ.ش، إبان مشروع لجان المحافظات والمدن وتصاعد صوت المعارضة من قم بقيادة الإمام الخميني، ووصول أول بيان لقائد الثورة العظيم من قم إلى يد الشهيد دستغيب، قال هو صريحاً: "كل وجودي في خدمة الإسلام".

ومن حينها لم يهدأ لحظة وأخذ ينظم حركته كماً وكيفاً مع حركة الإمام معرضاً بالكامل في ذلك عن جانبي الإفراط والتفريط. ولما كان يرى ضرورة التعاون مع غيره من العلماء، ذهب إلى بيوت العلماء آنذاك فرداً فرداً واستطاع بشكل من الأشكال إقناعهم ــ إلا اثنين أو ثلاثة ــ بالمشاركة في المجلس الأسبوعي العام في ليالي الجمعة في مركز الجهاد (المسجد الجامع في شيراز). فكان يقوم من خلال خطبه الشديدة التي يفضح فيها النظام بتوعية الناس وإعدادهم لمواجهة الطاغوت.

 

كان شريط خطبه يوزع في أنحاء البلاد، وكان بعض خطبه على درجة من التأثير والفائدة بحيث كانت تستنسخ بأمر الإمام وتوزع بأعداد كبيرة.

تحكي وثائق الساواك عن أن الشهيد قد صرح على أثر إقرار مشروع المواد الخمس قائلاً: "أريد أن أقول اليوم إن الإسلام في خطر. إنهم يسيئون إليكم. ما معنى انتخابات النساء؟ الهدايا التي جاء إلينا بها الأوربيون ليست شيئاً سوى الفحشاء والمنكر.

المرأة الماثلة دائما أمام مرآة التجميل كيف يمكنها المشاركة في الانتخابات؟! هل الرجال قليلون في إيران أو في قحط ليأتوا بالنساء إلى مجلس الشورى الوطني؟ يقولون "رجعية سوداء"، "الآكلون مجاناً". خسئِتَ. العلماء خلفاء النبي... أيها الناس لا تدعوهم يهينوا العلماء. هؤلاء أحرقوا العمامة ليذهبوا بآثار النبي. إذا رأيتم أي عالم دين أو سيد [من أبناء الرسول] فقبلوا يده. والله تقبيل يد السيد أفضل من تقبيل ضريح شاهچراغ. تقبيل يد السادة تعظيم للعلماء والدين.

خسئ من يقول رجال الدين يأكلون مجّاناً، وشلت يمين من يكتب ان رجال الدين يأكلون على الحاضر... علماء الإسلام عيون الناس. بمجرد أن نأتي ونتحدث عن الشاه والحكومة يستدعوننا. يقولون ذلك الشخص الذي كان جالساً تحت المنبر هو من وكلاء الأمن والأجهزة اللعينة. هؤلاء الوكلاء هم أنذل أفراد المجتمع.

 

لقد أقسم الله أن يعلّقهم في النار يوم القيامة". وهكذا كان الشهيد دستغيب يصعد من كفاحه إلى الحد الذي أعلن ــ بشهادة وثائق الساواك ــ في تاريخ 1/1/1342هــ.ش أني إلى الآن طلبت مرتين من آية الله الحكيم رخصة في الجهاد ولكن لم يأت جواب. كما يحكي تقرير رجال الساواك بتاريخ 18/1/1342 عن أنه يدفع الناس من على المنبر إلى الجهاد وارتداء الأكفان. وأخيراً أصدر الفريق باكروان حكماً بنفيه في تاريخ 10/1/1342. ولكنه لما كانت سياسة دعم الثقافة الأجنبية المبتذلة تدفع بالبلد نحو الهاوية، كان اعتماده الأساس في مواجهة الهجوم الثقافي الأجنبي هو تكريس الثقافة الإسلامية.

تحكي وثائق الساواك عن كتاباته في هذا الصدد: "أغلقت الأوقاف أو الحكومة المدرسة المنصورية ومدرسة قوام وغيرها ومنعت الطلاب من مواصلة الدراسة. إن قلبي يقطر دماً من هذه الثقافة والمثقفين. قولوا لي بالله عليكم لماذا تصبح المرأة التي لا دين لها أو بهائية بالأحرى معلمة دين أو تاريخ؟ هذه ليست ثقافة، بل دار فساد! إذا كان عميد الجامعة يهودياً وزوجته بهائية، فهل يصبح أولادكم أهل دين؟!...

يريدون أن يسلموا البلد إلى اليهود، لماذا لا نقول الحقيقة من الرهبة والرعب؟! نحن أحياء وندع إسرائيل وجواسيسها يتحكمون بثقافة البلد الإسلامي؟! كلاّ، هذا لن يحصل. نحن نحاربهم لأنهم يحاربون مراجع التقليد. نحن في حرب ضد المناوئين للإسلام.

نحن في مواجهة الهيئة الحاكمة الفاسدة التي تساعد البهائية أعداء الدين والاستقلال في البلاد. هؤلاء جواسيس نشروهم في بلاد الإسلام ونشروا كتبهم بين المسلمين. كل المناصب الحساسة في البلاد أعطوها بأيديهم. أنتم من ناحية تقولون نحن مسلمون، ومن ناحية تقدمون إليهم المساعدات كي يذهب ألفا شخص منهم إلى لندن ويعقدوا اجتماعاً ضد الإسلام والعلماء. قلوب الجميع تقطر دماً منكِ أيتها الهيئة الحاكمة الفاسدة".

بعد اعتقال السيد الإمام في 15 خرداد 1342، تحرك ليلاً رجال الساواك وقوات الحرس الخاصة من طهران إلى شيراز ليهاجموا داره. كانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل تقريباً، وكان الناس يحتملون هجوماً من هذا القبيل، فظلوا من أول الليل في الدار والزقاق والمسجد المجاور وقاوموا هجوم أفراد النظام وأخذه بعضهم إلى دار الجيران.

فكسر أفراد النظام الزجاج والباب والنافذة وانهالوا بالضرب على الناس العزل حتى النساء والأطفال وجرحوا الكثير منهم. ضربوا النساء بشكل فظيع إلى حد أن آثار الضرب بدت من بعد خمس عشرة سنة على بدن سيدة علوية زوجة أحد الشهداء. وبعد مرور يومين من التعطيل العام في شيراز ومقتل عدة أفراد كان أحدهم ابن أخته، (الشهيد خليل دستغيب)، واعتقال نحو من خمسمئة شخص من أقربائه وأتباعه من قبل السلطات العسكرية في المدينة، أرسل هو بلاغاً إلى السلطات بأنكم إذا كنتم تؤذون الناس بهذا الشكل من أجل الوصول إليّ فإني على استعداد لتسليم نفسي بشرطين: الأول هو إطلاق سراح كل المعتقلين، والثاني هو أني لست على استعداد للذهاب إلى طهران والمثول أمام المحكمة.

 

فأجابوه بقبول الشرطين، ولكن قالوا لأن الشاه أمر بنفسه مراراً فلا مفر من الذهاب إلى طهران، ولكن تسهيلاً لك نرسلك بالطائرة. ثم ذهب المحافظ في حينها مع مدير الساواك إليه وأرسلاه إلى طهران بطائرة خاصة ليدخل هناك إلى سجن عشرت آباد مباشرة. وفي عام 1343 هاجم أزلام النظام داره أيضاً في منتصف الليل وأرسلوه مباشرة إلى طهران ليدخل سجن قزل قلعة، حيث حل بعد إطلاق سراحه ضيفاً على الإمام الخميني مدة ثلاثة أيام.

هذه الشخصية الكبيرة كان لها دور فاعل ومهم في تصعيد كفاح الجماهير في محافظة فارس ضد نظام الشاه. تصريحاته الشجاعة حول مهرجان الفن في شيراز أعطت عمقاً للتحرك الإسلامي في المحافظة، وخطبه وحضوره في التظاهرات والمسيرات والتحركات في المنطقة كانت سداً منيعاً للجماهير المضطهدة هناك. أحد هذه المواقف هو اعتراضه الشديد على مهرجان الفن في شيراز عام 1356، هذا مهرجان كان يقيمه البلاط الملكي في مدينة شيراز وينفق عليه أموالاً طائلة ويدعو بعض الأجانب لممارسة أنواع المنكرات.

وفي شهر رمضان المبارك قاموا بإعداد تمثيلية تحت عنوان "خنزير ــ طفل ــ نار" تعرض فيها ممارسة الجنس علناً! ليستمر هذا البرنامج على مدى عشرة أيام أو أسبوعين. وفي اليوم التالي من العرض الأول، قام من بعد صلاة العصر بنقد هذا البرنامج بشكل قام فيه أفراد النظام خارج قاعة المسجد بإيقاف أصحاب المسجلات ليأخذوا منهم أشرطة الخطبة. في عصر ذلك اليوم جاءه بلاغ من السلطات يدعوه إلى التساهل وأنهم سيقومون بالحيلولة دون ذلك لمنع حصول اضطرابات في المدينة. ولكن تكرر البرنامج أيضاً لليوم الثاني.

ولهذا قام هو في اليوم التالي من جديد بالتهديد الصريح وإتمام الحجة من خلال خطبة طويلة جاءت بهذا المضمون: "إذا تكرر ذلك مرة أخرى، فعلى الناس أن يتدخلوا بأنفسهم ويفضّوا مجلسهم. وكل ما يحصل تتحمله الحكومة ويسببه أفرادها. ومن الآن أنا أعرّف المجرم؛ السلطات الحكومية هي المجرم لأنها تستفز الناس بهذا الشكل وتدعو إلى الاضطرابات والإخلال بالأمن".

إلا أن تقارير الساواك في خصوص هذه التصريحات مثيرة للانتباه وجديرة بالقراءة: "سمعت شيئاً، مهرجان خنزير، مهرجان خنزير، اسمه عجيب أيضاً. أولئك الذين يذهبون إلى هناك هم معاً ذكراً وأنثى أسوأ من الخنازير... النساء والرجال يرقصون كالخنازير... أولئك الذين يذهبون للتفرج هم قردة وخنازير... لعن الله المشاركين في هذا المهرجان... مؤسس المهرجان خنزير أيضاً. عليهم اللعنة، إلى متى تريدون إغواء هذا البلد وهؤلاء الشباب وتسلمونهم إلى الاستعمار وتضللونهم... لعن الله من افتتح مهرجان الفن".

بعد هذه التصريحات العارمة، عقد مجلس أمن المحافظة اجتماعاً مستعجلاً أوقف فيها مهرجان الفن في شيراز فوراً. وفي عام 1357 اعترف الساواك بوقاحة البرنامج وقدم تقريراً في بلاغ رسمي خاص له بالشكل التالي: "عرض مهرجان الفن في شيراز تمثيلية تحت عنوان "خنزير ــ طفل ــ نار" فيها مشاهد تتعارض والأخلاق الاجتماعية النزيهة. السيد عبد الحسين دستغيب الذي يعتبر من رجال الدين المتطرفين من أنصار الخميني، قام في يوم 11/4/1357 في مجلس حضره نحو من ستة آلاف شخص في المسجد الجامع لمدينة شيراز بإلقاء خطبة تحريضية مخالفة لمصالح البلاد، انتقد برامج مهرجان الفن في شيراز وقال: أحذر للمرة الثالثة ألاّ يقام السنة مهرجان الفن أو اللاّفن في شيراز. إنهم يريدون من إقامة هذه الاحتفالات إضلال الناس عن طريق الدين".

وفي حادثة دي (الشهر العاشر) من عام 1356, اتخذ موقفاً شديداً من المقالة التي أهانت الإمام الخميني في جريدة "اطلاعات". يذكر تقرير الساواك المؤرخ 24/10/1356 تصريحاته بالشكل التالي: "... الخميني مرجع تقليد عدة ملايين من الشيعة، ولأن جريدة اطلاعات وجهت إليه تهماً، فطبقاً للقانون يجب اعتقال من قاموا بهذا الفعل وسجنهم من سنة إلى ثلاث سنوات".

في تلك السنة نفسها فرض عليه الساواك الإقامة الجبرية في داره مدة ما، وأثناء تصاعد الكفاح وبعد المجزرة التي قام بها النظام المجرم في الخامس من رمضان في مسجد "نو" في شيراز، تم تعطيل المسجد الجامع الذي كان قلعة الجهاد لمدة أسبوعين. وبابتداء الأحكام العرفية، ومن بعد حادثة 17 شهريور (الشهر السادس) الدامية في 1357، ذهب أزلام النظام إلى داره ليلاً ليعتقلوه وهو مريض، فأخذوه أولاً إلى لجنة الشرطة ومن ثم إلى السجن. إلا أنه بعد أشهر من السجن والإقصاء عاد إلى شيراز واستقبل بحفاوة بالغة من قبل الناس.

لقد قام شهيد المحراب الكبير في أيام نفي الإمام في النجف الأشرف بزيارته عدة مرات؛ فنقل له أخبار البلاد والتحرك القائم آنذاك وعاد إلى إيران بالتوجيهات القيمة للإمام.. كان وجود الشهيد دستغيب مادة خير وبركة على الدوام. يقول الشيخ هاشمي رفسنجاني في هذا الصدد: " في غياب الإمام، عندما كان يصعب الاتصال به أحياناً، كنا نستشير في بعض ما يتعلق بقضايا الداخل بعض السادة؛ وكان أحد الشخصيات التي كنا نستشيرها باستمرار وكانت آراؤه مفيدة دائماً هو [الشهيد دستغيب]".

ولأجل توعية الناس، كان سماحة آية الله دستغيب يسافر إلى شتى المدن من قبيل فسا، مرودشت، كوار، داراب، فيروزآباد، اصطهبانات، ني ريز، سروستان، اقليد، آباده وغيرها ليحدث تغييرات كبيرة في تجمعات الناس. إحدى تحركاته الرائعة في عام 1357 التي ارعبت النظام العميل، عكسها تقرير الساواك المؤرخ 10/10/57 بالشكل التالي: "طبقاً للمعلومات التي بلغتنا، في تاريخ 26/9/57 صرح آية الله دستغيب في مستشفى نمازي في شيراز بأنه من التاريخ أعلاه تُعلن حكومة عسكرية إسلامية وخلال ثماني وأربعين ساعة من الحكومة العسكرية الإسلامية لا يراجع أحد الدوائر في شكوى أو قضية.

راجعوني أنا لأحل لكم مشاكلكم"! وعند تصاعد الثورة الإسلامية واقتراب النصر النهائي في 22 بهمن 1357، اتصل هو برئيس الشرطة وقال له أن يسلم نفسه ويفكر بروحه وأرواح الناس، ولأن السقوط قريب فلا يعرض نفسه وغيره للموت. وبالطبع سلّمت وحدات الجيش ولا سيما قوات الدرك الواحدة تلو الأخرى. ومع أن انتصار الثورة لم يكن قد أعلن عنه بعد، إلا أن دار الشهيد كانت محط قادة الجيش والضباط بين داخل وخارج. كان اهتمامه بالجيش وحرس الثورة وزياراته لمواقع القوات وتحدثه إلى الأفراد، وكذلك اشتراكه في المراسم الصباحية للشرطة وتعاونه مع قوات الأمن الداخلي والقوات العسكرية في بداية الثورة، قد أدى إلى أن يستعيد الجيش انسجامه بسرعة في منطقة فارس.

أصبح آية الله دستغيب بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة نائباً عن محافظة فارس في مجلس الخبراء. وعلى أثر طلب أهالي شيراز بإمضاء طومار بطول ثمانين متراً، عيّنه السيد الإمام إماماً لجمعة شيراز.

من أطاع الخميني فقد أطاع الله

كان الشهيد الكبير سماحة آية الله دستغيب يرى في منزلة الإمام واتصاله بالله كأنما طاعته طاعة لله ومخالفته معصية لله. كان يقول قول العارف: "من أطاع الخميني فقد أطاع الله".

وهكذا سار خلفه دوماً على تلك العقيدة منذ بداية النهضة وإلى آخر عمره، وعرفه الجميع بأنه أقوى مدافع عن ولاية الفقيه. في حادثة خرداد 1342 واصل مقاومته إلى حد أنه لما جاءت آخر الأمر إلى شيراز شخصيات وضباط كبار من النظام وطلبوا لقاءه، لم يرض بلقائهم، وقال كل ما يقوله السادة في قم هو الذي نقوله نحن أيضاً. مدير الساواك في حينها الفريق باكروان جاء بنفسه إلى شيراز، إلا أن الشهيد لم يستقبله. فأرسل له باكروان بلاغاً قال فيه ماذا تريد من إثارة هذه الجلبة والضوضاء؟! تعال واجلس وتفاهم. فقال: اذهب وتفاهم مع قم وإمام الأمة، نحن نتبعهم، فكل ما يقولون نحن نطيع.

كان الشهيد دستغيب يعتقد أن: "مسألة الإمام ليست مسألة شخص بسيط يظن الإنسان أنه الآن مرجع يقول شيئاً ونحن يجب أن نعمل. المسألة أكبر من هذا بكثير. في كثير من المسائل التي كنا نذهب فيها إلى الإمام، كان الإمام يقول أموراً نشعر فيها أنه ربما لا يقول ذلك من تلقاء نفسه، وأن هناك أموراً فوق ما نتصور. في كثير من التفاصيل التي لم نكن نطلع الإمام عليها كان يقول شيئاً ينطبق على الخطة العسكرية التي كنا قد وضعناها".

وكان بقدر ولائه لمنصب القيادة والإمامة يتبرأ بشدة من كل عنصر مخالف للإمام. كما كان يقول نفسه: "عندما رأيت في مجلس خبراء الدستور بني صدر الخبيث يقوم بتلك الإساءات إلى ولاية الفقيه التي هي أساس النظام الإلهي للجمهورية الإسلامية، رأيت من واجبي أن أقوم للدفاع عن ولاية الفقيه وأن ألقي كلمة من منصة المجلس".

ومن النماذج الأخرى لتبرّئه هو استياؤه الشديد من التحزب والزمر الحزبية حيث كان ينصحهم دائماً في خطبه ويدعوهم إلى اتباع الحق. تقول زوجة الشهيد عن مدى حبه لسماحة السيد الإمام: "كلما كان يلتقي السيد إمام الأمة كان يعود مسروراً ومرتاحاً للغاية. كان يفرض على نفسه دائماً الاستماع إلى أخبار الراديو والتلفزيون ولا سيما أحاديث إمام الأمة وكان يكتبها. وكان يجعل كلام الإمام محوراً للحديث في خطبه". عندما كان يلتقي الإمام، كان يجلس أمامه كما يجلس العبد أمام سيده أو الحبيب أمام محبوبه، وفي إحدى لقاءاته بالإمام قال: "في محضر الإمام لا نستطيع التحدث بسهولة، ولهذا يجب أن نلخص الحديث ونختصر".

وهو الذي قال مرة لأحد نواب شيراز في المجلس: "ولدي! يجب أن تؤمن أن سماحة الأمام هو نائب إمام الزمان سلام الله عليه. تصور كيف يجب التعامل مع أمام الزمان؟ احترام الإمام هو احترام لإمام الزمان سلام الله عليه، واحترام إمام الزمان احترام لله تعالى. إذا أردت العزة، فالعزة في اتباع الإمام".

والكلمة المعروفة: "من لم يعشق الخميني لا يمكنه أن يعشق المهدي" هي لهذا الشهيد أيضاً. في أواخر حياته، أصبح بحيث إذا جرى الحديث عن الإمام، كان يردد عدة مرات الإمام، الإمام، الإمام، أي إمام، ثم يتحسر كأنما لا يمكنه بيان ما عرفه من الإمام. لم يكن يذكر اسم الإمام وحده وكان يقول إن اتباعه مفخرة لي.

وكان يثبت هذه الطاعة قولاً وعملاً، فلم يكن يستند إلى اجتهاده ورأيه قط في قبال الإمام وأوامره أو الحكومة التي يؤيدها. وبتعبير قائد الثورة الكبير كان ملتزماً للإسلام والجمهورية الإسلامية وكان إلى آخر عمره يرى في خطبه وأحاديثه ومقالاته أن واجبه وواجب المجتمع والمتحدثين هو تقوية ولاية الفقيه، وكان يقول إذا أردتم ألا تعودوا إلى نظام الطاغوت فعليكم بتقوية ولاية الفقيه، حكومة الله تحت راية ولاية الفقيه. وكان السيد الإمام يعتبره مفخرة من مفاخر الإسلام.

الحرب المفروضة في قلب الشهيد

مع بدء الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية، أخذ الشهيد يشجع الشباب بعبارات واضحة على المشاركة في جبهات القتال، وكان يسعى باستمرار إلى تعبئة قوات مخلصة إلى الجبهة ورفد هذه القوات بالتجهيزات والإمكانات. كان يقول أحياناً "إذا كنتم تبحثون عن مؤمن حقيقي فانظروا إلى مقاتلينا، فإنهم إذا كانوا يظهرون إيمانهم بألسنتهم فهم يثبتون عملياً أنهم يفتدون ما سوى الله من أجل الله". وكان أحياناً يعبر عنهم بــ: "أنصار الله".

في إحدى خطب صلاة الجمعة، اعتبر جبهات القتال نموذجاً لحروب صدر الإسلام، وأن الحرب التي فرضتها حكومة البعث في العراق ضد إيران وسيلة للكشف عن إنسانية الأفراد وصبرهم وتحملهم وشهامتهم. وعندما اقترب موسم الحج، أصدر البيان التالي: "يا جماهير محافظة فارس المتدينة الشريفة، بالنظر إلى الوضع الحساس الذي تعيشه البلاد والاعتداء الغاشم للعراق على بلدنا الإسلامي، يحسن التغاضي عن الذهاب إلى الحج والتواجد الكامل في ساحة القتال، أرسلوا المساعدات اللازمة إلى جيش الجمهورية الإسلامية المقتدر العظيم.

نحن الآن في حال قتال ضد الكفر، وهذا مصداق واقعي للجهاد في سبيل الله الذي اعتبره القرآن المجيد صراحة أرفع وأفضل من أي عمل آخر، واعلموا أنكم ستبلغون ثواب الحج إن شاء الله... كما يرجى من أصحاب القوافل الكرام تقديم ما أعدوه من إمكانات لسفر الحج إلى إخوانهم وأخواتهم الذين وقعوا تحت وطأة أزلام البعث في العراق...".

وإحساساً منه بمسؤولية كبيرة في توجيه الدفاع المقدس وضرورة مساهمة العلماء، ولاسيما آية الله الخوئي الذي كان يسكن في العراق، قام بإرسال برقية إليه بهذا المضمون: "لا يخفى على سماحتكم في الحال الحاضر أن صداماً الخائن يحارب الإسلام ويقوم بضرب المناطق السكنية وقتل المسلمين العزل في إيران، ويدعي زوراً أنه مسلم يدافع عن الإسلام.

من الواجب توعية الشعب والجيش العراقي المسلم بأن واجبهم الشرعي هو الجهاد على طريق الإسلام ومعارضة صدام؛ ولابد للجيش العراقي من الالتحاق بجيش الجمهورية الإسلامية لكي يتم بإذن الله إقرار حكم إسلامي في العراق تحت قيادة الإمام الخميني". العروج الملكوتي ذكرى شهداء فتح بستان فتحدث الشهيد قائلاً: "أبداننا هذه جيفة، كلنا يموت والموت حق وما أفضل ألاّ نموت على فراش النوم" فكشف عن أمله في الالتحاق بركب الشهداء.

وللدرجات المعنوية التي امتلكها شهيدنا، كان قد أُلهم بشهادته قبل حدوثها. يقال إن أحدهم رأى قبل شهادته في المنام أن مكاناً احترق بالنيران وأخذ الدخان يتصاعد حلقات حلقات،

وكان السيد يصعد مع الدخان ويكتب في السماء "لا إله إلا الله". وعندما أوصوه بالمحافظة على نفسه أكثر قال: "الشهادة فخر لنا، هل تحسدونني على بلوغ درجة تكون فخراً لي". كما تقول ابنة شهيد المحراب عن العلم بالحادثة التي كانت قريبة الوقوع: "في الليلة التي قبل الحادثة رأيت في المنام المرحومة والدتي مع أخي في [ضريح] شاهچراغ تقدم للناس طعاماً بابتهاج، كما كان صحن شاهچراغ قد ألبس السواد.

فسألت المرحومة أمي: "ما الخبر؟" فقالت: "جئنا لاستقبال الشهداء، اليوم تشييع جنازة". عند منتصف الليل تقريباً، أي ساعات قبل الكارثة، استيقظ السيد من النوم، وجلس مضطرباً في فراشه، وضع يده على جبهته وأخذ يردد "لا حول ولا قوة إلا بالله". كان وضعه يحكي عن منام مرعب. قال اليوم لا أتكلم إلا بالإشارة والرمز.

في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 20 آذر (الشهر التاسع) 1360هــ.ش خرج كعادته إلى صلاة الجمعة. يقول حارسه عندما خرج من الدار توقف قليلاً وأحكم حزام وسطه وقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون".

بعد ذلك نزل من السلم وأخذ يسير واضعاً يداً على صدره وأخرى يشير بها إلى الأعلى. بعد لحظات أسرعت إليه فتاة في التاسعة عشرة من زمرة المنافقين الخائنة مع عدة كيلوات من مادة الــ "تي أن تي" بحجة أنها تريد إيصال رسالة إلية بيدها، ثم دوى انفجار مهيب تقطع على أثره السيد عبد الحسين دستغيب إرباً إرباً كمولاه المظلوم الإمام أبي عبد الله الحسين (ع). 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com