الآيات المصداقيّة في النصر - قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
هذه واحدةٌ من الآيات التي تخبرنا عن منّ الله بالنصر على المؤمنين. وهي وإن كانت آية خاصّةً بمعركة بدرٍ إلا أنّ لسانها يوحي بإمكان تعميم هذا المبدأ إلى غير هذه الواقعة من الوقائع. والمؤشّرات التي تسمح بمثل هذا التعميم هي: الحديث عن النصر مع الإشارة إلى الضعف وقلّة العدد الذي كان عليه المسلمون في ذلك الزمان، وختام الآية بالدعوة إلى التقوى والشكر الأمر الذي يوحي ولو على نحو الإشعار بالوعد بدوام مثل هذه المنّة إن ثبت المسلمون على التقوى والشكر. ويتأكّد هذا المعنى بملاحظة سياق الآية اللاحقة لهذه الآية ومن ذلك قوله تعالى في الآية 521 من السورة نفسها: ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾.
- قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾18، تكمل هذه الآية دلالة الآية السابقة وتوضحها. وتبيّن أنّ نصر الله للمؤمنين في بدرٍ لم يكن استثناءً بل كان هو القاعدة. والهزيمة التي مُنِي بها المسلمون أوّلًا في حنين ناجمة عن الإعجاب بالكثرة وترك التوكّل على الله.
وقد ورد في بعض الأخبار المرتبطة بغزوة حنين أنّ أحد المسلمين قال: "لن نغلب اليوم عن قلّة".
ولكنّ الله يكشف في الآيات اللاحقة عن أنّه لم يترك المسلمين ولم يكلهم إلى أنفسهم بل عاد عليهم بعد أن أدّبهم وألفتهم إلى أنّ الكثرة لا تغني عن المدد الإلهيّ، فأنزل سكينته وأمدّهم بأسباب النصر الغيبيّة20.
- قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
وظاهر هذه الآية أنّها نزلت في معركة بدرٍ كما يرى عددٌ من المفسّرين، وذلك أنّ المسلمين كانوا على هذه الحالة من الضعف والخوف وقت بدرٍ وبعد هذا النصر تغيّر حال المسلمين، وقويت شوكتهم وقلّ طمع المشركين فيهم.
- قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وهذه الآية وإن كانت خاصّةً بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنّ سياقها يفيد أنّ انتصار النبيّ لا يتوقّف على نصر الناس له فقد نصره الله يوم لم يكن معه سوى رجلٍ واحدٍ.
وهذا يدلّ بوضوح على أنّ الله يحقّق ما يريد من انتصار نبيّه وإتمام حجّته وتبليغ رسالته سواء كثر الناس حوله أم قلّوا وبالتالي تريد أن تقول هذه الآية لا يمنّنّ أحدٌ لا على الله ولا على رسوله، فإنّ الله إذا أراد أن ينصر رسوله ينصره ولو كان وحيدًا.
المصدر:من كتاب النصر الإلهي