مصلحة الفرد و المجتمع

مصلحة الفرد و المجتمع

السؤال هو: بأيّ منطق نستطيع أن نقنع الفرد بأنه ملزم عقلا بالتخلّي عن منافعه الشخصية، من دون أن ينال من المجتمع لقاء ذلك منافع توازيها أو تزيد عنها؟

ان للانسان حاجات متنوعة لا يمكنه اشباعها جميعا وبصورة كاملة في عالمنا المادي الذي يتميز بالتضاد و التناحر. و قد تقتضي الظروف ان يضحي ببعضها على حساب البعض الاخر. وهنا يتدخل الاختيار، و يحكم العقل بتضحية بالحاجات الدنيا على حساب الحاجات الاسمى، على الرغم من أن الناس لا يسيرون جميعا وفق هذا المبدأ، فهم يرجحون الحاجات الدنيا، إما لضعف في ادراكهم وفي قدرتهم على التمييز، واما بسبب اتباع العادة و الرغبة، ويمكن ان نقول: إن هؤلاء يعملون ضد مصالحهم الخاصة.

إذن فالانسان الذي يعي مصلحته هو ذلك الذي يسلك الطريق المؤدية الى الحاجات الاهم، وبذلك يضمن الكمالات الارفع. و بعبارة اخرى يكون اختياره على أساس حكم العقل.
وفي المقابل يقع في صراع مع المصالح الفردية و الاجتماعية، فالحياة الاجتماعية تقتضي ان يضحي ببعض المصالح الفردية في سبيل المصالح الاجتماعية، ولابد لكل فرد في المجتمع أن يتنازل عن بعض رغباته و مصالحه الخاصة لضمان مسيرة الحياة الاجتماعية.


إن التضارب بين المصالح الفردية و المصالح الاجتماعية يمكن أن يكون على صورتين:
الاولى: أن يضحي الفرد ببعض مصالحه من أجل المصلحة الاجتماعية، بحيث تؤدي هذه التضحية الى سد حاجات جميع افراد المجتمع بما فيهم الفرد الذي ضحى ببعض مصالحه، وبذلك يحصل على فائدة قد تعادل مقدار الفائدة التي تنازل عنها أو تزيد عليها. في هذه الصورة يحكم عقله بأن يرجح الايثار. و بتعبير آخر: ان مصلحته الخاصة قد اقتضت ان يختار الايثار.
والثانية: هي أن التنازل عن المنفعة الفردية لا يكون مدعاة الى أن ينال هذا الفرد منفعة مساوية لما تنازل عنه او ربما اكثر، اي انه إمّا أن لا ينال اي نفع اصلاً، و امّا ان ينال اقلّ مما تنازل عنه. فهل يمكن أن نقول في هذه الحالة: إن من مقتضيات العقل أن يتنازل هذا الفرد عن منافعه الخاصة ليستفيد الاخرون و ينتفعون؟
إذا كانت نظرتنا مادية، فلا يمكن في الحقيقة أن نجيب عن هذا السؤال بالايجاب، و هذه النظرة هي نظرة النفعيّين، الذين يقولون: ان الفرد يسعى ليستفيد من المجتمع أقصى ما يستطيع، بغض النظر عن الاضرار التي تلحق بالاخرين جرّاء ذلك. انّ مثل هذا الفرد لا يتنازل عن ايّ مقدار من مصالحه الاّ اذا علم بأن عدم تنازله سوف يكون سبباً في فقدانه لمنافع اكبر، و عدم حصوله على المزيد من المزايا الاجتماعية.


في الواقع، ان الذين يحملون نظرة مادية، و يتحدثون عن مصلحة المجتمع و الدفاع عن حقوق الاخرين انّما يتحدثون رياءً و نفاقاً، و في الحقيقة، ان همهم الوحيد ضمان مصالحهم. ان هذا المنطق هو الذي يسيطر اليوم على اكثر المجتمعات البشرية، وان ما يدعيه رؤوس الاستكبار و أتباعهم من الدفاع عن الحق و العدالة و حقوق الانسان ليس الاّ خداع و تضليل.
طبيعي أن بعض رجال القانون يقولون بأصالة حقوق المجتمع، و يرون أن حقوق الفرد انّما تؤلف جانبا من حقوق المجتمع، و اذا ما تضاربت مصالح الفرد مع مصالح المجتمع، فلن يبقى للفرد مصلحة تذكر. و لكننا اذا ما تجاوزنا المباني الفلسفية لهذه النظرية المبنية على انكار الوجود الحقيقي للفرد، و اذا ما تغاضينا عن حقيقة أن مختلف الاحزاب التي تدّعي انها تتبع هذه النظرية ولكنها عمليا تسير في اتجاه مختلف كما هو الحال في سلوك الاشتراكيين في مختلف دول العالم فالسؤال هو: بأيّ منطق نستطيع أن نقنع الفرد بأنه ملزم عقلا بالتخلّي عن منافعه الشخصية، من دون أن ينال من المجتمع لقاء ذلك منافع توازيها أو تزيد عنها؟
اننا نعلم أن بالامكان دفع بعض الافراد، بوساطة الدعاية و تحريك المشاعر و العواطف، نحو الايثار و التضحية، وحتى يمكن جرّهم الى ميادين الحرب باثارة النعرة القومية و العنصرية و امثالهما، ولكن الهدف من حديثنا ليس العثور على الطريقة المثلى لخداع الناس، بل حل القضية حلاً عقلانياً.

ولكننا اذا استندنا الى النظرة الالهية استطعنا أن نجيب عن السؤال المذكور بردّ ايجابي و واضح، و ذلك لأن:
اولاً: طبق الحكمة الالهية يتطلب من أكثر بني الانسان ان يبلغوا على درجة من درجات الكمال، و قد وضعت النعم الدنيوية في متناول الانسان باعتبارها وسائل هذه الحركة التكاملية، إذن، ينبغي لنا أن نستفيد منها بحيث يتحقق هدف الخلق لدى جميع الافراد.
ثانياً: على الرغم من أن الايثار و التضحية تعني التخلي عن بعض المنافع المادية، و لكنها في مقابل ذلك تخلق في الافراد الكمالات الروحية و المعنوية، و هي الهدف الاصلي لخلق العالم و الانسان.
ثالثاً: كل حرمان يتحمله الانسان في هذه الدنيا في سبيل مرضاة اللّه و تحقق هدفه من خلق البشر، يقابله ثواب اوفر في الدار الاخرة.


بناءً على ذلك إن ضرورة التنازل عن المصالح الفردية، ناشئة من أن الحكمة الالهية و هدف الخلق هما اللذان يفرضان ذلك، ولكي يؤمن الافراد بمبدأ التضحية لابد لهم ان يدركوا بأنها سبب تكاملهم النفسي و المعنوي، مما يدخل البهجة الى نفوسهم ويؤدي الى شعورهم بلذة روحية ويضمن لهم سعادة ابدية ويحضون برضوان اللّه و نعم الجنة اللامتناهية، تلك النعم التي لا بالنعم الدنيوية المادية لامن حيث الكمية ولامن حيث الكيفية. و بهذا يتبين ارتباط النظام الحقوقي الالهي بالنظام الاخلاقي، وبالنظرة الالهية للعالم. 

 

* موقع آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي 

 

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com