مراحل الجهاد والثورة

مراحل الجهاد والثورة

ذكرى الرحيل

مراحل الجهاد والثورة‏

- المواجهة الفكرية والعلمية: ابتدأ الإمام الخميني قدس سره جهاده في عنفوان شبابه، فمن خلال تأليفه ونشره لكتاب "كشف الأسرار" قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرين عاماً من حكم رضا شاه - والد الشاه المخلوع -، وتولّى الرد على شبهات المنحرفين دفاعاً عن الإسلام وعلماء الدين.

- المواجهة السياسية:

وانطلق الإمام الخميني قدس سره في نضاله العلني ضدّ الشاه عام 1962م، وذلك حينما وقف بقوّة ضدّ لائحة "مجالس الأقاليم والمدن"، والتي كان محورها محاربة الإسلام، فالمصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشّحين والناخبين، وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من القرآن المجيد.‏ وأدّت برقيّات التهديد التي بعث بها الإمام إلى رئيس الوزراء وقتئذٍ، وخطابات سماحته التي فضحت الحكومة، وبياناته القاصمة، وتأييد المراجع لمواقفه، إلى إلغاء اللائحة، وتراجع الشاه عن مواقفه.‏ ودفعت مواصلة النضال الشاه إلى مهاجمة المدرسة "الفيضية" بمدينة "قم" عام 1963م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وبياناته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران. وفي عصر العاشر من محرّم الحرام عام 1383 للهجرة (3/6/1993م) فضح الإمام الخميني قدس سره عبر خطاب حماسي غاضب، العلاقات السرّية القائمة بين الشاه و"إسرائيل" ومصالحهما المشتركة.‏

- الاعتقال:

وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل اليوم التالي، حاصرت القوّات الحكومية الخاصّة بيت الإمام قدس سره، وتمّ اعتقاله وإرساله مكبّلاً إلى "طهران". وبمجرّد أن سمعت الجماهير نبأ اعتقال الإمام قدس سره، نزلت إلى الشوارع منذ الساعات الأولى لفجر الخامس من حزيران 1963م، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة "قم" المقدّسة، التي هاجمتها قوّات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكان نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.‏ ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في "طهران"، اشتدّ قمع تظاهرات أبناء الشعب في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوّات الحكومة العسكرية الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء. وكانت مذبحة الخامس من حزيران 1963م. ‏ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب في داخل البلاد وخارجها، اضطر إلى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والاعتقال.‏ واصل الإمام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام. وفي هذه الأثناء، تأتي مصادقة الحكومة على لائحة "الحصانة القضائية" التي تنصَّ على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية، لتثير غضب قائد الثورة وسخطه. فما أن يطّلع الإمام الخميني على هذه الخيانة حتى يبدأ تحرّكاته الواسعة، ويقوم بإرسال مبعوثيه إلى مختلف أنحاء إيران ليلقي سماحة الإمام خطابه الشهير آنذاك، دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده. فانتقد لائحة الحصانة القضائية، وحمل بشدّة على الرئيس الأميركي وقتئذٍ.‏

- نفي الإمام إلى تركيا: أمّا نظام الشاه، فقد رأى أنّ الحلّ الأمثل يكمن في نفي الإمام إلى خارج إيران، فحاصرت القوّات الخاصّة والمظلّيون بيت الإمام، وذلك في سَحَر يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964م.‏ وبعد اعتقال سماحته، اقتيد مباشرة إلى مطار "مهر آباد" بطهران، ومن هناك، وطبقاً للاتفاق المسبّق، تمّ نفيه إلى تركيا. وقامت قوّات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أيّ نشاط سياسي أو اجتماعي.‏ استغرقت إقامة الإمام بتركيا أحد عشر شهراً. وخلال هذه الفترة، عمل نظام الشاه بقسوة لم يسبق لها مثيل على تصفية بقايا المقاومة في إيران.‏ مثّلت الإقامة الجبرية في تركيا فرصة اغتنمها الإمام في تدوين كتابه المهم "تحرير الوسيله"، حيث تطرّق لأوّل مرّة آنذاك في كتابه هذا - الذي يمثّل الرسالة العملية لسماحته - إلى الأحكام المتعلّقة بالجهاد، والدفاع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسائل المعاصرة.‏

- نفي الإمام إلى العراق: في يوم 5/10/1965 م يُنقَل سماحة الإمام برفقة ابنه السيد مصطفى، من تركيا إلى منفاه الثاني بالعراق، ليقيم في مدينة "النجف الأشرف". ومن منفاه في "النجف" كان يتابع بدّقة الأحداث السياسية التي تشهدها إيران والعالم الإسلامي، وكان حريصاً على إيجاد قنوات الاتّصال مع الثوريين في إيران، ومع عوائل شهداء انتفاضة الخامس من حزيران. - نفي الإمام إلى باريس: وفي اللقاء الذي جمع وزيرَي خارجية إيران والعراق في نيويورك، قرّر الطرفان إخراج الإمام الخميني من العراق. وفي 24/9/1978م حاصرت القوّات البعثية منزل الإمام في "النجف الأشرف"، وأبلغت الإمام بأنّ مواصلة إقامته في العراق منوطة بإيقاف نشاطاته السياسية، والتخلّي عن النضال.‏ وأصرّ الإمام على مواصلة نضاله، ولم يركن للضغوطات البعثية، ممّا دفعه إلى ترك "النجف الأشرف" في 24/10/1978م، بعد ثلاثة عشر عاماً من النفي، متوجّهاً إلى الكويت. إلاّ أنّ الحكومة الكويتية، وبطلب من نظام الشاه، منعت الإمام الخميني قدس سره من دخول أراضيها، فقرّر الهجرة إلى باريس.‏ وصل سماحته باريس في 6/10/1978م، واستقرّ في "نوفل لوشاتو" في ضواحي باريس. وفي غضون ذلك، قام مبعوث قصر "الإليزيه" بإبلاغ الإمام طلب الرئيس الفرنسي "جيسكار ديستان"، بضرورة اجتناب أيّ نوع من النشاط السياسي، فكان ردّ الإمام حازماً، وأنّه لن يتخلّى عن أهدافه، حتى ولو اضطره ذلك إلى التنقل من مطار إلى آخر، ومن بلد إلى آخر.‏

ذروة الأحداث وانتصار الثورة الإسلامية‏

مثّلت شهادة آية الله السيد مصطفى الخميني (رضوان الله عليه) - الابن الأكبر للإمام قدس سره - في 23/10/1977م، ومراسم العزاء التي أقيمت في إيران، نقطة الانطلاق لانتفاضة الحوزات العلمية ثانية، وانتفاض المجتمع الإيراني المؤمن. وممّا يثير الحيرة والدهشة أنّ الإمام الخميني قدس سره وصف هذا الحادث المؤلم بأنّه من الألطاف الإلهيّة الخفيّة.‏ وإنّ فترة الأربعة أشهر من إقامة الإمام في باريس، جعلت من "نوفل لوشاتو" أهمّ مصدر خبري عالمي، فقد أضحت حوارات الإمام ولقاءاته المختلفة مع حشود الزوّار الذين كانوا يتدفقون على "نوفل لوشاتو" من مختلف أنحاء العالم، سبباً في أن يتعرّف العالم أكثر فأكثر على أفكار الإمام وآرائه بشأن الحكومة الإسلامية والأهداف القادمة للثورة.‏

أمّا الشعب الإيراني، فقد صعّد من حدّة تظاهراته، مستلهماً توجيهات سماحة الإمام قدس سره ونتيجة لاتّساع رقعة الاضطرابات، شُلّت حركة المراكز والمؤسَّسات الحكومية، في هذه الأثناء، أعلن قائد الثورة الإسلامية للشعب عن تشكيل مجلس قيادة الثورة وتعيين أعضائه. وقرّر الشاه بدوره الخروج من البلاد في 16/1/1979م، تحت ذريعة المرض والحاجة إلى الراحة.‏‏ العودة المظفّرة وقيام الدولة: انصاع نظام الشاه لمطالب الشعب، وفتح مطار طهران، ليصل قائد الثورة الإسلامية إلى أرض الوطن في الأوّل من شباط عام 1979م، بعد أربعة عشر عاماً من النفي.‏ و قدّر عدد المستقبلين ما بين أربعة ملايين إلى ستة ملايين شخص.‏ وأعلن قائد الثورة عن تشكيل الحكومة المؤقّتة، رغم وجود حكومة الشاه، والتي ما زالت تمارس مهامها. وفي 5/2/1979م، وبتعيين رئيس الوزراء، كُلّفت الحكومة المؤقّتة بالتحضير لإجراء الاستفتاء العام وإقامة الانتخابات.‏ وفي الثامن من شباط 1979م، بايع منتسبو القوّة الجويّة الإمام الخميني قدس سره في محلّ إقامته بالمدرسة العلوية بطهران. وفي التاسع من شباط، وحيث توجّهت قوّات الحرس الشاهنشاهي الخاصّ إلى قمع انتفاضة منتسبي أهمّ قاعدة جوية بطهران، أخذ أبناء الشعب ينزلون إلى الشوارع لحماية القوّات الثورية. وفي العاشر من شباط عام 1979م، راحت مراكز الشرطة والمؤسّسات الحكومية تسقط الواحدة تلو الأخرى بأيدي أبناء الشعب. ‏وفي فجر الحادي عشر من شباط 1979م، أشرقت شمس انتصارالثورة الإسلامية.‏

ولم يمضِ سوى شهرين على انتصار الثورة، حتى أعلن الشعب الإيراني، في واحدة من أكثر الانتخابات حرّيةً في تاريخ إيران، عن تأييده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وتلا ذلك الانتخابات السياسية لتدوين الدستور والمصادقة عليه، وإقامة انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامي.‏

الرحيل‏

ومع أنّ الإمام الخميني قدس سره كان يعاني من مرض القلب، وكان قد مكث فترة في مستشفى القلب بطهران عام 1979م، إلاّ أنّ سبب رحيله من هذه الدنيا الفانية كان مرض جهازه الهضمي، إذ أُجريت له عملية جراحية بناءً على نصائح الأطبّاء. وبعد عشرة أيام من معالجته في المستشفى، ودّع الإمام قدس سره هذه الدنيا الفانية في الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من مساء يوم السبت الثالث من حزيران عام 1989م، وشيّعت الملايين من النساء والرجال والشيوخ والشباب من مختلف أنحاء إيران، الجثمان الطاهر للقائد العظيم، بمشاعر من الحزن والألم التي لا توصف. الإمام الخامنئي واستمرار المسيرة‏: وفي ظلّ غياب الإمام ورحيله إلى الرفيق الأعلى، ظهر نور مشرق بالأمل، أضاء على الأمّة كلّها. وكان بمثابة عزاء للأمّة في مصابها، وهو سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله، قائد الأمّة ووليّ أمرها، هو امتداد حقيقي للإمام الراحل قدس سره، لشخصية الإمام، ولفكر الإمام، ولخطّه الأصيل.

المصدر:من كتاب منار الهدى

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com