الإختلاط

الإختلاط

ضوابط الإختلاط

إنّ الاختلاط بشكل عامّ هو أرض خصبة للوقوع في الكثير من الانحرافات السلوكيّة والنفسيّة، التي قد تستدرج الإنسان على هذين المستويَين ليجد نفسه في لحظة ما قد فَقَدَ كلّ الدفاعات النفسيّة التي تقف في وجه وسوسات الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، وأصبح صريعاً تحت سلطة إبليس اللعين بعيداً عن الرحمة الإلهيّة، فمثل هذه الساحات المختلطة هي في الحقيقة من الأهداف السهلة التي يصوّب إليها إبليس وجنوده كلّ ما بحوزتهم من أسلحة وفتن وزخارف وأوهام لعلّهم ينالون من الإنسان ويتحقّق هدف إبليس اللعين:﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾1. من هنا كان للاختلاط خطورته الخاصّة التي تحتّم معرفة الحدود الشرعيّة التي تمنع الإنسان من الوقوع في شرك إبليس وجنوده، وتؤمّن له الحماية والحصانة الكافية ليبقى عزيزاً في هذه الدنيا فائزاً في الآخرة.

ما معنى الاختلاط؟

المقصود من الاختلاط هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، سواء في بيت أو سوق أو طريق... فكلّ لقاء لأحد الجنسين مع الآخر هو نوع من أنواع الاختلاط.والاختلاط إذا فسّرناه بهذا المعنى الواسع إذا أمكن اجتنابه لشخص أو شخصين فهو بالتأكيد متعسّر بالنسبة للمجتمع عموماً، لأنّ الإنسان يعيش عادة في مجتمع مختلط ولأفراده حاجات متبادلة يعسُر معها فرض عُزلة الرجال عن النساء بشكل كامل، بل نجد الاختلاط موجوداً حتّى في بعض الأمور الشرعيّة الأساسيّة كالحجّ، وكذلك الجهاد كما يُستفاد من سيرة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان للنساء دورٌ أساس في المعركة من مداواة الجرحى وسقي الماء ونحو ذلك...

تقليل الاختلاط

إنّ كون الاختلاط ضرورة في بعض جوانبه لا يكفي للاستسلام له وقبوله على كلّ حال، لأنّ الضرورات تُقدّر بمقدارها، لذلك ينبغي تقليل الاختلاط إلى أقلّ حدّ ممكن كما أرشدنا القرآن الكريم إلى ذلك في قصّة كليم الله موسى عليه السلام وابنتَي نبيّه شعيب عليه السلام، يقول تعالى:﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير﴾2.

الخلوة المحرّمة

حرّمت الشريعة المقدّسة نوعاً من الاختلاط، وهو الاختلاط الذي يصل إلى حدّ الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين، ضمن شروطٍ يذكرها الإمام الخميني قدس سره بقوله: "إذا اجتمع الرجل والمرأة في محلّة خلوة، بحيث لم يوجد أحدٌ هناك، ولا يتمكّن الغير من الدخول، فإن كانا يخافان الوقوع في الحرام فيجب أن يتركا المكان"3.ويكفي أن يكون الحرام بمقدار النظرة المحرّمة، فمثل هذه الخلوة محرّمة بنفسها، وفي الرواية عن علي عليه السلام: "لا يخلو بامرأة رجل، فما من رجل خلا بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما"4.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النساء أن لا ينِحنَ، ولا يخمشنَ ولا يقعدنَ مع الرجال في الخلاء"5.

ضوابط الاختلاط الحلال

إذا لم تحصل الخلوة فالاختلاط ليس محرّماً بنفسه، ولكنّ هذا لا يعني عدم وجود حواجز شرعيّة...

وهناك العديد من الحدود التي يجب أو ينبغي الالتفات إليها واجتنابها عند اختلاط الرجل بالمرأة نشير إلى بعضها:

1- التبرّج والزينة: إنّ التبرج والزينة من الأمور التي يحرم على المرأة إظهارها للرجل الأجنبيّ، وفي حديث المناهي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ونهى أن تتزيّن لغير زوجها فإن فعلت كان حقّاً على الله أن يحرقها بالنار"6.

2- الرائحة والطيب: إنّ الطيب والرائحة شبيهة بالتبرّج أيضاً ولكنّ التبرّج تدركه حاسّة البصر، وأمّا الطيب فتدركه حاسّة الشم، لذلك فمع وجود المفسدة يحرم الخروجُ بالطيب والاختلاط فيه، وعن جابر بن يزيد قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما لاسلام يقول: "ولا يجوز لها أن تتطيّب إذا خرجت من بيتها"7.والخروج هنا مثال لما يحقّق الاختلاط، لذا فالحرمة لا تختصّ بالخروج بل تشمل مطلق الاختلاط حتّى لو حصل في البيت.

3- اللمس والمصافحة: إنّ اللمس والمصافحة من المفاسد المتعلّقة بحاسّة اللمس، فيحرم لمس بشرة الأجنبيّ، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولا ثمّ يؤمر به إلى النار"8.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "ولا يجوز للمرأة أن تصافح غيرَ ذي محرم إلّا من وراء ثوبها"9. فالحرمة من الطرفين، يحرم على الرجل أن يصافح المرأة وكذا يحرم على المرأة أن تصافح الرجل.

4- الخضوع في القول: بمعنى الميوعة في طريقة الكلام، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى:﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا.﴾10. فهذه الآية الكريمة تلفت إلى خطورة دور نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنهنّ أولى من غيرهنّ بالالتزام بهذه التكاليف الإسلاميّة، التي هي عامّة لكلّ النساء، ومن هذه التكاليف عدم الخضوع في القول، فعلى المرأة المسلمة أن تتحدّث بأسلوب مُتّزن بعيداً عن الأساليب التي تتسبّب بفتنة المُستمع من الرجال، خصوصا الذين في قلوبهم مرض.

5- الإمعان في النظر: يقول تعالى:﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...﴾11. فعلى المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.وعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "اشتدّ غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرَم منها، فإنّها إن فعلت أحبط الله (عزّ وجلّ) كلّ عمل عملته..."12.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة"13. وعنه عليه السلام: "النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة"14.وأمّا إن كانت النظرة بشهوة فتحرم حتّى النظرة الأولى. 6- المزاح وكثرة الضحك: ينبغي أن تحافظ المرأة على رصانتها عند الاختلاط ولا تطلق العنان لنفسها لتظهر وكأنّها ذات شخصيّة خفيفة تميل مع الأهواء بسهولة، فكثرة المزاح والضحك هو من أكثر الأمور التي تُظهر خفّة المرأة وعدم رصانتها في المجتمع المختلط، وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكلّ كلمة في الدنيا ألف عام"15.فالمزاح يرفع الحواجز النفسيّة ويمهّد الطريق أمام أيّ انزلاق محتمل. قال أبو بصير: كنت أُقرئ امرأة كنت أعلّمها القرآن فمازحتها بشيء فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي: أيّ شيء قلت للمرأة؟ فغطّيت وجهي، فقال عليه السلام: "لا تعودنّ إليها"16.هذه هي الحدود الأساسيّة التي ينبغي مراعاتها عند الاختلاط

المصدر:. *مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص58-66.

1- الحجر، الآيتان: 39 - 40.

2- القصص: 23.

3- توضيح المسائل للإمام الخميني (قده) المسألة رقم 2445

. 4- مستدرك الوسائل، ج14، ص265.

5- مستدرك الوسائل، ج2، ص 449.

6- أمالي الصدوق، ص509.

7- وسائل الشيعة، ج20، ص770.

8- توثيق وسائل الشيعة، ج20، ص197.

9- وسائل الشيعة، ج20، ص770.

10- الأحزاب: 32.

11- النور، الآيتان: 30 - 31.

12- ميزان الحكمة، ج2، ص116

13- الكافي، ج5، ص559.

14- وسائل الشيعة، ج20، ص192.

15- وسائل الشيعة، ج20، ص198.

16- وسائل الشيعة، ج14، ص144.

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com