كيف دعانا اللَّه إليه؟

كيف دعانا اللَّه إليه؟

اللَّه يدعونا لما يحينا ولنكون من الأحياء..

 

 

إن اللَّه عزّ وجلّ خلقنا وحدد سبب خلقنا فقال ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وفسرت بمعنى إلا ليعرفون، وفي الحديث القدسي "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف...". إن اللَّه الذي خلقنا وهو غني عن خلقنا، كريم لا حد لكرمه، يجود علينا بكل ما نحب وما هو تحت يده، وإن من أكبر النعم في هذا الوجود معرفة اللَّه عزّ وجلّ، فهو قد خلقنا لأجل هذه النعمة الكبرى وهي الهدف وبمقتضى كرم اللَّه وحبه لنا فهو ينعم علينا بهذه النعمة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

اللَّه قريب لكن البعد من العبد... "وإن الراحل إليك قريب المسافة وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال (الآمال) دونك"

 بل إن اللَّه يدعونا إليه، يدعونا لنعرفه، ويدعونا إلى حبه، ويدعونا للاقتراب منه اقتراباً معنوياً والازدياد في معرفته، والتلذذ والتنعم بهذه المعرفة. فاللَّه عزّ وجلّ لم يترك شيئاً إلا وجعل فيه دليلاً على قدرته وحكمته وعلمه وكرمه، فتعالَ نسمع قول الإمام زين العابدين عليهم السلام: (بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدر ما أنت).

فهذا الوجود كله يصرخ بنداء الدعوة إلى اللَّه، وفي عمق أنفسنا يدعونا صوت: إلى اللَّه هو صوت الفطرة: (معرفتي يا مولاي دليلي (دلتني) عليك وحبي لك شفيعي لديك وأنا واثق من دليلي بدلالتك وساكن من شفيعي إلى شفاعتك).

كل ما في الوجود يدعونا إلى اللَّه، وكل ما في الوجود يدلنا على اللَّه، الزهرة، النحلة، الذرة، المجرة في الكون، في داخل النفس، فنحن إذا تتبعنا ذلك نشعر أنها كلها بطاقات دعوة ممهورة بالختم الإلهي، وبذاتها دليل إلى اللَّه فلنصغي إلى دعاء الحسين عليه السلام في يوم عرفة: (إلهي علمت باختلاف الآثار، وتنقلات الأطوار، أن مرادك مني أن تتعرف إليّ في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء).

لماذا دعانا اللَّه إليه؟

اللَّه هو الرب، رب العالمين أي أن إدارة شؤون البشر والكون وتدبير أمورهم هي بيد اللَّه وحده، وهو الذي يقوم بذلك، فينظم الكون، ويخلق الشمس والقمر، ويسخرهما لنا ويمسك السماء وينزل الغيث وينبت الزرع فكل ما نحتاجه لوجودنا وبقائنا سخره اللَّه لنا، واللَّه هو الرب أي هو المربي أي أن تربية البشر وسائر المخلوقات بيديه، هو الذي يعمل على ايصالنا جميعاً إلى الغاية من وجودنا وهي السعادة، واللَّه منذ تكوين كل منا في رحم أمه وحتى رحيله عن الدنيا لا يغفل عن تربيتنا وتغذيتنا وتنميتنا في تكويننا البدني، وهو ليس بغافل عن تربيتنا الروحية والمعنوية، فكما أنزل الماء كذلك أنزل كتباً سماوية، وكما خلق شمساً مضيئة وقمراً منيراً كذلك بعث أنبياء ورسلاً وأئمة، فكما أن اللَّه يطعمنا ويسقينا كما في قول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾.

كذلك هو الذي يهدي ويعلم ويزكي. ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾، ﴿اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء﴾.

ولذا نرى سيد الساجدين يقول عن هذه التربية الإلهية: (سيدي أنا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته).

فبمقتضى رحمة اللَّه ولطفه وحكمته، وكونه رباً أي مربياً لنا يدعونا اللَّه إليه، يدعونا لنتعرف عليه ولنقترب منه أكثر بعقولنا وقلوبنا. لذا فقد دعانا إليه قائلاً في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.

إذن فاللَّه يدعونا لما يحينا ولنكون من الأحياء..

ما حقيقة هذه الدعوة؟ أعد الاستماع إلى الآية السابقة: ﴿اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ ألا تثير فيك سؤالاً وتعجباً... ألسنا أحياء... إذاً فما المقصود بـ"لما يحييكم" فتعال لنتأمل الحياة التي نعيش، لنجد معاً أنه.. قد يكون بنظرنا القاصر أن الحياة علامتها نبض القلب أو التنفس... هذا طبياً... وعند البعض الآخر قد تكون علامة الحياة الأكل والشرب والزواج لكن بنظر اللَّه تعالى الذي خلق الموت والحياة ما هي الحياة الحقة؟..

هل هي الحياة الحيوانية؟ فلطالما أنكر اللَّه على الكافرين هذا النوع من الحياة كونها حياة بهيمية. فالحياة الحقيقية هي حياة العقل بالوعي والروح، وإلا فمن له سمع ولا يستفيد منه بنظر اللَّه هو أصم، والذي لديه بصر ولا يستعمله ولا يستفيد منه أعمى، وكذلك الحي الذي لا يستفيد من حياته بأن يلتفت إلى أنوار هداية اللَّه ولا يستمع إلى كلمات اللَّه هو ميت.

﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.

فالروح الفاقدة للإيمان والتي لا تستفيد من نداءات الهداية الإلهية ميتة وأي موت. ولذا نحن أموات ما لم نستجب لنداء اللَّه، نحن أموات ما لم نستجب لدعوة اللَّه لنا وما لم نستفد من أنوار الهداية الربانية، ولنخرج من موتنا إلى الحياة الحقة علينا إن نلتفت إلى أنفسنا ونجعلها تنتبه ثم تصغي لكلمات اللَّه، وكلمات أنبيائه وأوليائه، لنخرج بذلك من ظلمات الجهل والموت إلى نور العلم والحياة ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾.

فكم من حياة الموت أفضل منها بكثير، لأنها واقعاً عذاب لا يلتفت ولا يشعر به صاحبه، لأنه أعرض عن ذكر اللَّه فلا يسمع آيات الهدي ولا يشعر بألم العقاب ولا يرتدع ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

وأما الآخرون فإن موتهم حياة.. ألم يقل اللَّه تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.

اللَّه يدعونا لنحيا الحياة الطيبة، وهي غير الحياة الحيوانية، هي حياة نتمتع فيها بأمن وسلامة وطمأنينة لا تزول أبداً، لأننا حينها نكون مغمورين منعمين بمحبة اللَّه، ونقترب أكثر من اللَّه الذي بيده وحده الحياة والموت.

 

بداية الطريق, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

يا فاطمة، أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين،أو سيدة نساء هذه الأمّة’(الرسول الأكرم)
يقول تعالى: ﴿... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
الإمام الباقر عليه السَّلام: ’ لكل شيء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان ’.
عن النبي صلى الله عليه وآله: ’التوبة حسنة لكنها في الشباب أحسن’

من نحن

موقع ديني ثقافي وفكري يعنى بقضايا المرأة والاسرة والمجتمع

تواصل معنا

يسرّنا تواصلكم معنا عبر الايميل alzaakiyaa@gmail.com